فيما خرجت احتجاجاتٌ ضد دونالد ترامب لليوم الثاني على التوالي؛ كشف الرئيس الأمريكي المنتخَب عن استعداده لاتخاذ قرارات «مهمة» حول التعيينات في إدارته. وغداة مظاهراتٍ الخميس؛ كتب الرئيس الجمهوري على حسابه في موقع «تويتر» صباح أمس «يوم من النشاط المكثف مرتقب في نيويورك. سأتخذ قريباً قرارات مهمة جداً حول الأشخاص الذين سيديرون حكومتنا». ويتعلق الأمر بمن سيعينهم في إدارته التي تتولى مهامها رسمياً في يناير المقبل. والتقى الملياردير ترامب، أمس الأول، الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته، باراك أوباما، حيث عقداً اجتماعاً ثنائياً في البيت الأبيض استمر 90 دقيقة وشهِد إجراء «محادثات ممتازة». ولاحقاً؛ زار ترامب مبنى الكابيتول في واشنطن الذي يضم مجلسي الشيوخ والنواب. وإلى جانب هذه الزيارة برفقة زوجته ميلانيا ونائبه مايك بنس؛ فإنه التقى كلاً من بول رايان وميتش ماكونيل على التوالي، وهما رئيسا الغالبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ. وبدأ تعزيز الإجراءات الأمنية المحيطة بالرئيس الجديد منذ انتخابه الثلاثاء الماضي، إلى حد أن البرج الذي يحمل اسمه في نيويورك والواقع على الجادة الخامسة بات يشبه الحصن. ووضعت شرطة المدينة كتل الأسمنت أمام البرج مع انتشارٍ كثيف للعناصر الأمنية. وقُطِعَت حركة السير في قسمٍ من شارع 56 المتاخم، وصولاً إلى جادة ماديسون، وتم الحد من حركة المشاة فيها وكذلك في الجادة الخامسة، مع نصب نقاط تفتيش قريبة ووضع سيارة إسعاف تابعة لرجال الإطفاء بشكلٍ دائم. وليلة الخميس؛ نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في عدة مدن أمريكية احتجاجاً على نتيجة الانتخابات. وتحدثت الشرطة عن «أعمال شغب» في أوريغون (شمال غرب)، في وقت يعمل ترامب على تشكيل فريقه. ويتباين استمرار التظاهرات مع مساعي التهدئة التي أظهرها الرئيسان المنتهية ولايته والمنتخَب منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات. ورغم التزامه الهدوء مؤخراً؛ عاود ترامب هجماته على «تويتر». وانتقد في تغريدةٍ له وسائل الإعلام، حيث اتهمها بتأجيج التوتر. وكتبَ «بعد انتخابات رئاسية ناجحة ومفتوحة للغاية» يقوم «متظاهرون محترفون تشجعهم وسائل الإعلام» بالاعتراض على النتيجة، الأمر الذي اعتبره «غير منصف إطلاقاً». وأفادت الشرطة بأن تظاهرةً في بورتلاند بولاية أوريغون تخلَّلها «سلوك خطير وإجرامي» وتطوَّرت إلى «أعمال شغب». وأظهرت مشاهد بثَّتها الشبكات التلفزيونية متظاهرين يلقون مقذوفات على قوات الأمن ويقومون بعمليات تكسير ونهب في محلات تجارية. وبين المتظاهرين عديدٌ من الشبان والطلاب. وفي بالتيمور قرب واشنطن؛ تجمَّع حوالي 300 شخص ورفعوا لافتاتٍ كُتِبَ عليها «لم أنتخب الكراهية في الرئاسة»، وهتفوا «ليس رئيسي». وعلى الساحل الغربي المحسوب تقليدياً على الديمقراطيين؛ تظاهر مئات الطلاب في سان فرانسيسكو ولوس أنجليس. ورفع بعضهم لافتات كُتِبَ عليها «الحب يسحق الحقد». وجرت تجمعات مماثلة في نيويورك وشيكاغو (شمال) ودنفر (وسط غرب) ودالاس (جنوب). إلى ذلك؛ باشر الرئيس ال 45 للولايات المتحدة إجراء أولى اتصالاته الهاتفية مع قادة العالم. وأعلن الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أنه سيجري محادثات هاتفية مع ترامب «لتوضيح وطلب توضيح مواقف». ودعا ترامب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، المكلَّفة بتطبيق خطة الخروج من الاتحاد الاوروبي؛ إلى زيارته «في أسرع وقت ممكن»، كما تقرَّر أن يعقد لقاءً خلال أيام مع رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي. وبعدما ألقى ترامب خطاباً اتسم بنبرة مصالحة ليلة فوزه في الانتخابات؛ فإنه أعطى خلال لقائه مع أوباما إشارة قوية إلى عزمه اتخاذ موقف رئاسي هادئ والابتعاد عن نبرة المرشح الاستفزازية والعدائية. وطوى الرجلان اللذان لم يلتقيا من قبل صفحة الحملة العنيفة والعدائية التي استمرت أشهراً؛ ليؤكدا في المكتب البيضاوي عزمهما على إنجاز عملية انتقال سلسلة للسلطة. وقال رجل الأعمال الثري جالساً قرب أوباما في البيت الأبيض وقد بدا وكأنه يشعر برهبة الموقع «إنه لشرف عظيم سيدي الرئيس أن أكون معكم»، وهو الذي شنَّ ضده حملة شائعاتٍ على مدى سنوات. وبعد ساعات؛ أشاد ترامب على «تويتر» ب «يوم رائع» في واشنطن وب «توافق جيد» مع الرئيس الديمقراطي. واعتبر أوباما، بدوره، أنه أجرى «محادثات ممتازة» مع ترامب. وصرَّح «نريد أن نبذل كل ما في وسعنا لمساعدتكم على النجاح»، علماً أنه سبق وأن وصف ترامب ب «الخطر على الديمقراطية الأمريكية». في سياقٍ متصل؛ يتحتم على ترامب، الذي لم يشغل أي منصبٍ بالانتخاب من قبل وخاض سباقه إلى البيت الأبيض وحيداً، استعادة تأييد قادة حزبه (الجمهوري) الذي يسيطر على مجلسي الكونغرس. ويبدو أن الفوز الكاسح والزلزال السياسي الذي أحدثه الملياردير بدَّدا تحفظاتٍ أعرب عنها البعض منتقدين أسلوبه وخطابه الذي يُنعَت باستمرار بالعداء للأجانب والتقليل من شأن النساء. وفي مقابلةٍ مع شبكة «سي إن إن»؛ قال رئيس الحزب الجمهوري، راينس بريباس، الذي يفيد الإعلام بأنه قد يكون عضواً في الإدارة الرئاسية الجديدة «آمل أن يكون الجميع رأى دونالد ترامب الرئاسي هذا، الذي كنَّا على يقين منذ البداية بأنه سيكون على مستوى المنصب». ورغم إجماع استطلاعات الرأي على توقع فوز المرشحة الديمقراطية للرئاسة؛ فإن النتيجة المفاجئة الثلاثاء حطمت آمال هيلاري كلينتون في أن تصبح أول امرأة تحكم البيت الأبيض. لكن هذه النتيجة تهدد، كذلك، إرث باراك أوباما لا سيما على أصعدة التأمين الصحي والمناخ والتبادل الحر وغيرها من المواضيع. واللافت أن وريثة أوباما السياسية، كلينتون، هُزِمَت في وقتٍ يحظى فيه بنسبة شعبية قياسية في نهاية ولايته. وبعدما تبددت دهشة المفاجأة؛ استعادت البورصة زخمها بصورة سريعة، في وقتٍ كان المستثمرون يبدون قلقهم الأسبوع الماضي حيال احتمال فوز ترامب. وحطم مؤشر «داو جونز» مستوى قياسياً أمس الأول في «وول ستريت». وأبدت كندا والمكسيك استعدادهما لمعاودة التفاوض حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا»، بعدما دعا ترامب خلال حملته الانتخابية للعودة إلى مزيدٍ من الحمائية (تقييد التجارة بين الدول)، متحدثاً مراراً عن معاودة التفاوض بشأن «نافتا» بل حتى إلغائها.