حديث الإنتاجية الذي زادت وتيرته في الآونة الأخيرة بعد تصريح وزير الخدمة المدنية الأُستاذ خالد العرج بأنَّها لا تتجاوز الساعة الواحدة للموظف الحكومي، هو حديث يكتسب أهميته حينما يتناول الأسباب المنطقية لهذه النتيجة -على فرض صحتها- وكذا المتسبب الأول بها، وهذا ما لم يحدث، مما ترك الساحة مفتوحة للجدل بين من يدافع عن هذا الرأي وبين من يختلف معه. المبرر اليوم لتناول هذا الأمر هو أنَّ كثيراً من الإدارات في القطاع الحكومي والخاص يطرحون ذات الرأي إلاَّ أنهم يعلقون الأسباب على المواطن فيما يشبه الاتهام، غير أنَّ القطاع الحكومي لا تملك الإدارات فيه قرار التوظيف مما يلغي عليها فرصة الاستعانة بغير المواطن، فيما القطاع الخاص مرتبط في المقام الأول بقناعات صاحب العمل، من هنا فإنَّ هذه القناعة المغلوطة كما أراها هي ما يبرر عدم إحلال المواطن مكان غيره، هذا الأمر يظهر بوضوح حينما تُفضل كثير من الشركات منح المواطن مبلغاً من المال من أجل تقييد اسمه فقط في كشوفات الشركة وهمياً على أن تقوم بتوظيفه كموظف حقيقي!. الحديث عن إنتاجية الموظف – كما أرى – له ارتباط في المقام الأول بالإدارة، هذا الأمر مهم جداً كمقدمة لتحديد الجهة التي ينبغي أن تُحاسب ويعاد تقييم كفاءتها حينما تكون إنتاجية الموظف ضعيفة، السبب هو أنَّ ضعف الأداء عموماً له مسببات كثيرة من أهمها أولاً الكفاءة العلمية والمهارية، وثانياً سلسلة الأهداف والمهام التي منحتها الإدارة للموظفين؛ لذا فالأسئلة المنطقية التي ينبغي توجيهها للإدارة وخاصةً تلك التي تُصرِّح بأنَّ موظفيها لا ينتجون هي: هل قامت هذه الإدارة بتقييم المستوى العلمي والمهاري لموظفيها وقدمت لهم التدريب والتأهيل اللازم؟! هل قامت الإدارة بعد ذلك بمنح الموظفين أعمالاً محددة واشترطت عليهم مدة معينة للانتهاء منها وكذا مستوى جودة معينة؟! وبعد هذين الجانبين هل قامت بمعاقبة المتسيب والمهمل المقصر وفق القانون بحيث إذا تعددت حالات الإهمال والتسيب يتم إنهاء خدماته؛ ليكون رادعاً لزملائه الموظفين عن التسيب؟! وقبل ذلك كله هل منحت هذه الإدارة منسوبيها الرواتب والمكافآت اللائقة والمتناسبة مع متوسط قيمهم العادلة في سوق العمل؟! الإجابة على جملة هذه الأسئلة يكشف المتسبب الحقيقي في (ساعة الإنتاج الواحدة)، وهو كما أرى وبلا شك يتمثل في (الإدارة)، فحينما يُمنح الموظف جميع أسباب الإنتاج ولا يُنتِج فما هو السبب الذي يجعل إدارته تبقيه على رأس العمل؟! أما حينما لم يُمنح شيئاً فالنتيجة السلبية منطقية والمتسبب الأول والأخير في ذلك هي هذه الجهة. من الخطأ – كما أعتقد – تعليق مشكلة إنتاجية الموظف عليه، في تصوري أنَّ الإدارة قادرة على توفير الأسباب المنطقية للإنتاج التي من أهمها التدريب والتأهيل ومنح الموظف جملة من الواجبات والمهام الوظيفية، بالإضافة إلى منحه الأجر المتناسب مع ما يبذله من جهد وبناءً على متوسط الأجر العادل في سوق العمل، هذه الأسباب بأجمعها إذا لم تتوفر فإنَّ إنتاجية الموظف الرديئة تعكس بوضوح مستوى الإدارة السيئ في المنظمة، من هنا فأي إحصائية تتحدث عن الإنتاجية، تُشكِّل نتيجتها المستوى الحقيقي للإدارة قبل مستوى أداء الموظفين؛ لذا أجد أنَّ ساعة الإنتاج الواحدة ليست دليل إدانة للموظف الحكومي بقدر ما هي دليل ضعف واضح في المستوى الإداري!.