انتشرت في الآونة الأخيرة فيديوهات ومقاطع مصوَّرة بعضها ربما بموافقة أحد أو بعض أو كل الأبناء، تُظهِر في مضمونها بر الأبناء لأحد الوالدين، والتركيز كان على الأم أكثر من الأب.. إما لأنها صاحبة فضل أكبر كما وصى بها رسولنا الكريم في قوله (أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك) أي أن لها الحظ الأوفر في البر أكثر من الأب.. لا بأس في ذلك!! أو لأهداف قد تكون غير معلنة في ظل قسوة بعض الآباء على نسائهم مما يولد هذا التمييز الغريب.. هو أنها فيديوهات تنشر خصوصيات أسرية بحتة مع تصوير الأم مثلاً. لو أن أحداً من خارج الأسرة حضر ذلك الاحتفال وقام بالتصوير ونشر الفيديو لقامت قيامة تلك الأسرة وأعلنوا مطاردة ذلك المصور نظامياً عن طريق الجهات المختصة ومطالبتهم بإيقاع أشد العقوبات على من سرَّب ذلك التصوير دون إذن منهم. إذن هل هو فقط اختلاف في الطريقة؟ أم في الرغبة؟ أم في الشخص الناشر؟ مع الأسف أصبحت هذه الفيديوهات حديث العصر عن البر.. يا ترى هل كان البر مدفوناً ليس له وجود إلى أن جاءت التقنية وأحيته بين الناس؟ أنا أرى أن هذا فيه رياء وتحقيق سمعة موجهة وليس براً!!! قد يقول بعضهم هي محفزة ومشجعة، وبعضهم يقول تذكير بعض الغافلين بالبر وزيادته بين الناس.. أقول لهؤلاء إن البر موجود فطري وهو الظاهرة الصحية وليس العقوق، فمنذ أن فطرنا الله على الدين وما زال في أمة محمد -عليه السلام- منذ أن جاء الأمر ببر الوالدين في القرآن الكريم والسنة المطهرة.. في الحقيقة إن الأبناء يحذون حذو والديهم في البر، لا يحتاجون إلى فيديوهات لهذا التذكير.. غرس القيم في الأبناء بمتابعتهم الآباء ومشاهدتهم على الواقع كيف يبرون آباءهم والاهتمام بهم من غير تصوير ولا حتى ذكر ذلك بأي طريقة، لأنه واجب وليس تطوعاً.. لذلك أقول لكل من يرغب في بر والديه، عليك أن تبرَّهم دوماً إلى آخر لحظة في حياتهما وليس وقت الفرح وتصوير الحدث فقط يكون موطن البر.. ويزول بزوال الحدث.. فهما بحاجة إليه أكثر من قبل في آخر أيامهما حين يصلان إلى مرحلة الضعف والحاجة، هنا موطن البر الحقيقي.. قال تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (..) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.