قرأت في العدد 14610 وتاريخ 12-11-1433ه مقالاً للأستاذ سلمان بن محمد العُمري بعنوان: (الوالدان - برّهم وعقوقهم!!) وحيث إنّ برّ الوالدين أمرٌ عظّمته شرائع الله تعالى المترادفة، وأقرّته قوانين الحياة المنصفة! فلا يقابل الإحسان بالإساءة إلا منكوس الفطرة، أعمى القلب، ميت الضمير، مجدب العاطفة..! وقبل ذلك وبعده، من جاهر الله بالمعصية ولم يبال بهذه الكبيرة المبيرة! ومن يتدبّر آيات الموعظة ببر الوالدين والتذكير بعظم حقهما، يجد نفسه مقصراً في واجبه نحوهما وإن بالغ في التودّد والرحمة والخدمة، وأجرى نهر المسرّة في قلوبهما الدافئة..! ألا ترى المولى سبحانه يأمر ببرِّهما في آيات عدّة، ويقرن أعظم الحقوق على عباده (وهو العبادة الخالصة له) بالإحسان إليهما ويجعله من المواثيق المؤكّدة المخلّدة في كتابه المبين، والتي أخذها على بني إسرائيل المتقدمين منهم والمتأخرين! قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا}، وخصّ البر بالإحسان وأعاده في أربعة مواضع من الذِّكر الحكيم!. إنه الإحسان.. الذي يأخذ بمجامع الخير ومكامن الرحمة وحقيقة الإكرام، الإحسان قولاً وفعلاً وخلقاً وتعاملاً وحياة! لأنهما ليسا كسائر الناس الذين يمكن أن يكفيهم {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. إنهما والداك.. أمنّ الخلق عليك بعد مولاك سبحانه! فما وجودك - بإذن الله - إلاّ بسببهما، ولا وصلتَ إلى الحياة إلاّ من طريقهما، ولا ترعرعت إلاّ في حضنيهما. أمك تسقيك لبنها لترضع، وأبوك يكد نهاره لتشبع، مهراك أبلغ النصائح، وأهدياك أعزّ المنائح وأسمعاك أعذب المدائح، وقدّماك على ما لهما من المطامع والآمال والمصالح، فإذا ضحكت تهلّلا ولذّت لهما الحياة وإن كانت ذاوية, وإن مرضت أظلمت دنياهما وضاقت آفاقها المترامية! وأنت.. أنت مفتاح غبطتهما ومستودع بهجتهما ما حييت سعيداً طيباً! فلا تقطعنّ السبب ولا تضيّعنّ الطريق ولا تجحدنّ سابقة فضلهما عليك..! واغمرهما برحماتك المسعدة وتعاهدهما بهباتك المتجدّدة، ودعواتك المسدّدة. {وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}. - د. منى بنت أحمد القاسم - أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الأميرة نورة