هذه الليلة مختلفة عن باقي ليالي العمر، فلم أقضها وأنا أتصفح كتاباً، أو أستمتع بمشاهدة التلفاز، أو أحتفل بزفاف إحدى صديقاتي وأرقص على أنغام الموسيقى وأودعها طرباً في حفلة وداع عزوبيتها. فهذه الليلة اختلفت بالنسبة لي، اتصل ليلها بنهارها، لم أدرك الوقت، تلاشت عقارب الساعة، تبعثرت الأوقات، في الظهر أشعر بالعشاء، في المغرب أتخيل الصباح، في أيّ ساعة أنا؟ في أي جزء من اليوم؟ لم أعد أشعر بشيء، تضاربت الأوقات وامتزجت أجزاء النهار بساعات الليل وعتمته. فقد توقفت دقات قلبها، وتوقف الزمن معها، انقطع النفس، وانقطعت الذكرى معها، انتهت الحياة، وتوقف سجل الذكريات، واشتقت.. نعم اشتقت قبل أن ترحلي من ناظري وأنت ممتدة أمامي، نعم اشتقت لرؤيتك وأنت تكتسين ثوب العروس الأبيض الحجازي، في يوم فرح ولدك اشتقت لك وأنت تختالين به بين الحضور ويصحبك العم صالح وأنت محاطة بأقمارك الثمانية – حفظهم الله -، سوف اشتاق لك في يوم العيد وأنت تصنعين «الدبيازة» وتحرصين على وجود هذا الطبق الحجازي في سفرة العيد، سوف أشتاق لإصرارك على وجودها وشرائها عندما أرهق جسدك المرض وأتعبته الحياة. سوف أشتاق للمعمول المكي ورائحته الزكية وطعمه الشهي، سوف أشتاق إلى الضحكة المدوية في بهو المنزل، سوف أشتاق وأشتاق وأشتاق، سوف يزيد الاشتياق. رحلتِ يا من كان يراها أبي أخته التي ولدته له الحياة، رحلتِ يا من كنت تهاتفين أبي بعد كلّ مباراة لفريق الاتحاد، رحلتِ يا من كنت تباركين له بفوز الفريق وتشدين أزره بخسارته، رحلتِ يا من كان يشعر معها بعفوية الأخت وصدقها، رحلتِ ومازال صوتك في أذني، رحلتِ وأنت تمازحين أبي عندما كان يطلق المسميات على أبنائك الصغار وتقولين مازحة: أهكذا تقول عن ولدي يا رجل. حبيبتي لا أستطيع أن أتخيل اللحظة التي سوف أسمع فيها صوت العم صالح، ولن أستطيع أن أساله عن أخبارك وصحتك، لا أستطيع أن أتخيل هذه اللحظة وكيف سوف تكون المكالمة بتراء دون أن أذكر اسمك «أبلة إيمان». رحمك الله، وأحسن الله إكرامك في أول ليلة لك في ضيافة الرحمن.