يرخي الليل سدوله على الكون، فأعشق المساء، وأتلذَّذ بالظلام الذي يحيط بي، ولا يراني فيه أحد. في هذا الظلام أدفن أوجاعاً وأحزاناً لامست الفؤاد، وأرهقت العقل والجسد في ضوء النهار، أغسلها بدمعي، وأصلي عليها، ثم أدفنها بين طيات السماء دون أن أترحم عليها لتصل إلى «باريها»، وعندما ينبلج الصباح، أجد السماء قد أمطرت عليَّ «رحمات» من الرحمن، وبددت الحزن فرحاً، والألم حبوراً وسعادة. - كم أعشقك أيها المساء، وأنتظرك مهما طالت الأوجاع، وأعشق السكون الذي يحيط بالكون فلا حركة ولا نشاط، والجميع ينعم في السبات. ليلٌ طويلٌ ساكنٌ، تحركه دمعة من مقلة حائرة من أوضاع النهار، ودعوة صادقة شقَّت طريقها بين طبقات الظلام، ترى النور على شدة العتمة، وتشعر بالراحة فلا يعيق مسيرها صوت ولا ضوضاء، تسير وهي تعرف خطاها في غسق الليل. - أيها المساء تدخل علينا بكل هدوء، وتداوي كل ما جرحناه في النهار، وتواري أخطاءنا، وتنقِّي أنفسنا من آلام الصباح، فتصبح النفس نقية لتستقبل ميلاد يوم جديد مع بزوغ الفجر، لتعلن أن القادم دائماً أجمل.