في 16 من أغسطس بدأت روسيا في إطلاق أسرابها من القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى من نوع (توبوليف 22)، وكذلك قاذفاتها التكتيكية من نوع سوخوي (سو-34) من همدان قاعدتها الجوية الجديدة في إيران. لماذا همدان التي تقع بالقرب من طهران؟ وما مسوغات وآثار هذه الخطوة الروسية على المستوى الإقليمي والدولي! إن هدف الرئيس الروسي الاستراتيجي من تدخله المباشر في سوريا هو الحفاظ على حليفه التقليدي المتمثل في نظام الأسد، وبالتالي يعطي الروس نفوذا تبلور في نشر منظومة صاروخية متطورة جدا، ليس الهدف منها الثورة السورية وإنما هو موقف قوي من الروس تجاه حلف الناتو، استغل وبشكل ذكي حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا. إن نشر هذه المنظومة الدفاعية المتطورة التي تم نشرها في الجانب الشرقي للدول الأوروبية وبجانب دولة حليفة في دول الناتو وبجانب – إنجرليك التركية – أهم قواعد حلف الناتو الشرقية، يهدف وبشكل مباشر إلى التقليل من مخاطر الصواريخ البالستية والطائرات لحلف الناتو. إن استخدام روسيا قاعدة همدان الإيرانية تدل وبلا شك على قوة الجانب الروسي في منظومة الحلف الجديد والمتمثل في إيران والعراق وسوريا ولبنان. لقد خالف الجانب الإيراني الدستور القومي للبلد في مادته 143 التي تمنع استخدام أي دولة أجنبية لقواعدها حتى لوكانت للجوانب الإنسانية، وهذا يعطي المؤشرات الواضحة أن الروس قد اخترقوا صناع القرار الإيراني وفي مقدمتهم خامنئي، الذي وافق على هذه الخطوة التي ضرب من خلالها الدستور الإيراني ووضع الساسة الإيرانيين في جانب محرج أمام شعبهم التي تمثلت بالتصريحات الغاضبة من الإعلان الروسي لهذه الخطوة. إن استخدام قاعدة همدان للقاذفات الاستراتيجية والتكتيكية الروسية والتدخل المباشر للروس في قضايا الشرق الأوسط، يعطي مؤشرا قويا على سعي الروس إلى تكوين منظومة أمنية على المستوى الإقليمي للشرق الأوسط، تؤمن مكتسباتهم الحالية والمستقبلية على أرض الشرق الأوسط، وهي رد قوي وعنيف على إعلان واشنطن عن نشر مقاتلاتها إف- 22 رابتور-الشبح- أو ما يليها من خطوات للولايات المتحدة وحلفائها. إن هذه الخطوات المتسارعة التي يصدم بها الروس الإقليم بكامله، التي تناسى معها العالم القضية الأوكرانية، مؤشر على عزم الروس على أن يكونوا لاعبين رئيسيين في أوراق الشرق الأوسط، وأن تكون مساحات اللعب في الساحة بما يتفق مع مصالحهم وأمنهم القومي مهما كلفهم الأمر!