يتحدث العالم اليوم عن أسعد شعوب الأرض من خلال مقاييس مقننة للسعادة، تركز هذه المقاييس على قضايا التنمية والازدهار للأفراد، التي تتضمن عادة الأمن والصحة والتعليم ومستوى الدخل ومساحة الحرية وتكريس الموارد والجهود لذات الهدف. يقابل ذلك «في الاتجاه المعاكس» التعاسة التي هي الأخرى لها مقاييسها، ولعل قياس التعاسة قد لا يتطلب مزيداً من الجهد أسوة بالسعادة، فما عليك سوى النزول للشارع «ارتجالا» لترى صنوف التعاسة. الحديث اليوم عن أتعس أهل الدنيا في إطاره الفردي، وكعادة علماء النفس المرضي «Psychopathology» لا تجدهم إلا في مواطن المرض والمعاناة، فإن أتعس الناس هو من ولاه «ولي الأمر» شأنا من شؤون الأمة «صغر الشأن أم كبُر»، واستأمنته الأمة على شؤونها، وهو ليس بأهل لذلك نتيجة فساده المادي من خلال استباحة ما ليس له بحق من مال وما يُقاس عليه، وفساده المعنوي باستغلال منصبه وما أُسند إليه بما يعود بالنفع لنفسه والضرر لغيره وإفساد من حوله لنشر مزيد من الفساد. أجزم أنه لا يختلف معي إنسان أن من ذلك ديدنه هو تعيس بطبعه، ولكن السؤال المطروح لماذا قيل هنا إنه أتعس الناس؟ وما هي المحددات لهذا التصنيف؟ تتضمن المبررات المنطقية التي تقف وراء هذا التصنيف «أنه أتعس الناس» كونه خالف حكما شرعيا لا تُوجب معه التوبة إلا برد الحقوق في شقيها المادي والمعنوي، بسبب أنها ملك للأمة، بمعنى «حقوق العباد» التي لا تُغفر إلا بردها. كما أن هناك أمرا آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو مدى رضا «من تلك صفته» عن نفسه عندما يقف أمامها «عاريا» من كل الحُجج التي كان يتغنى بها، مفلسا من كل فكر مُشوه سوغ له فساده فأقنع به نفسه ومن حوله، وصفر اليدين من كل حيلة دفاعية غير ناضجة استأنست بها نفسه، وسقط أمامه قناع كل قدوة فاسدة اقتدى بها، يحسب كل صيحة عليه نتيجة خزي خيانة الأمانة وما يتبعها من خوف كشف سره وافتضاح أمره. أليس هذا بكاف «أعزتي» للقول بأنه أتعس الناس؟