صدق ولا تصدق يمتد طول حلم الأكراد بتأسيس دولة مستقلة لهم في العراق إلى ما يفوق مئات السنين. ويعد القائد صلاح الدين الأيوبي «كردي» الأصل والمنشأ، فقد عرف أهله بأنهم من بلدة «دوين» الواقعة في اَخر أذربيجان فهم من «روادية» والروادية بطن من الهذبانية وهي قبيلة كبيرة ومشهورة لدى الأكراد. ولقد ذاع صيته سواء في أرجاء العالم الغربي أو العربي على حد سواء. فقد اشتهر هذا القائد العظيم بالقوة والشجاعة والشهامة، وصُنف بكونه من أبرز الشخصيات القيادية على مر التاريخ والأزمان. فقد كتب عنه أعداؤه قبل أصدقائه وأشادوا بأخلاقه وإنجازاته التاريخية المشرفة. ولقد افتخر كثير من الأكراد به وبأعماله التي قدمها للأمة الإسلامية، لكن بعضهم يتساءل بعتاب حار لماذا لم يسعَ إلى تأسيس دولة مستقلة للأكراد في الشرق الأوسط؟ مؤكدين أن الحلم الأكبر لكل كردي في العالم بأن يجمع شملهم تحت دولة كردية مستقلة، فالسؤال هنا أي مستقبل ينتظر الأكراد في الشرق الأوسط والعالم؟ وهل سوف نشهد قريباً عن إعلان دولة كردية في الشرق الأوسط وتحديداً في منطقة العراق؟ مع العلم أن «دعم الأقليات» وسيلة أساسية للدول العظمى لدعم ملفاتهم والضغط على الدول المعنية لمناقشة قضاياهم تحت بند حقوق الإنسان، وهي في الحقيقة تعزيز مصالحها في العالم خاصة في الشرق الأوسط، مع العلم بأن هناك نية كبيرة من قبل بعض الدول العظمى لتحقيق الحلم الذي امتد لمئات السنين بتأسيس الدولة الكردية، ودعمها اقتصاديا وعسكريا. لنتأمل قليلاً بعض التساؤلات عن ذلك القرار: أولاً: هل ستشكل دولة الأكراد خطرا على بعض الدول في المنطقة أم إنها ستساعد على نشر الاستقرارين الأمني والسياسي في المنطقة؟ ثانياً: من هي أول دولة في العالم ستعترف بدولة الأكراد؟ ثالثا: من المستفيد الأكبر من التغيير؟ ومن ستتضرر مصالحه الاقتصادية والأمنية والقومية من ذلك القرار؟ على سبيل المثال فإن أكثر المدن تضرراً من القرار من الناحية الاقتصادية المدن السياحية العربية، إذْ سيكون توجه الدولة الكردية لتكون أفضل وأجمل منتجع سياحي في المنطقة. حيث سيركز اقتصادها على ثمار الجذب السياحي مع التشديد على دعمها من الناحية الأمنية عن طريق بعض الدول العظمى لتكون محطة اهتمام السياح. وموقعها الجغرافي يعزز من طموحها الاقتصادي حيث تتميز منطقة الأكراد بكونها سلسلة مستمرة من الجبال الجميلة التي تمتاز بارتفاعها وجمالها، وزادها جمالاً تراث الكرد وثقافتهم العريقة الممتدة لمئات السنين. وتزامناً مع الظروف السياسية الحالية في الشرق الأوسط، أفضل مقولة تنطبق على الأكراد هي «مصائب قوم عند قوم فوائدُ» فسوف تكون أول دولة تعترف بالإقليم الكردستاني كدولة مستقلة للأكراد هي «الولاياتالمتحدةالأمريكية»، فتوتر العلاقات الأمريكية مع الحكومة التركية يساعد على دعم ملف دولة الأكراد في العراق، علما بأن توطين العلاقة التركية مع روسيا قد يضاعف من دعم استقلال الأكراد في سوريا. فسوف يكون الأكراد درعًا لحماية «أهل السنة» في العراق، وقد يشهد العراق خلافا وصراعا داخليين بين الحشد الشعبي مع الإقليم الكردستاني. فالواقع السياسي يؤكد لنا أن إيران سوف تحاول أن تخلق الفوضى لزعزعة المجتمع الكردي، لكيلا يكون هناك قوة سنية تعطل مخططاتهم في العراق. هل ستشكل دولة الأكراد خطرا على بعض الدول في المنطقة أم إنها ستساعد على نشر الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة؟ طبعا أي انقسام في الشرق الأوسط سوف يشكل خطرا كبيرا على المنطقة، ولكن أخطاءنا السياسية هي التي سوف تساهم في تقسيم الشرق الأوسط، فالواقع أن العراق في طريقه إلى التقسيم، وأن يكون هناك دولة كردية سنية في العراق، أفضل بكثير للمنطقة لحماية أهل السنة، وقد يتوجب على الدول العربية توطين العلاقات مع الحكومة الكردية لتصبح القوة الرادعة لإيران في العراق. على سبيل المثال، الحكومة السودانية تحتاج إلى الدعم حاليا حتى لا يكون هناك انقسام لدولة ثالثة في السودان، مع العلم أن انقسام السودان يضر بأمن واقتصاد كافة الدول العربية، وإن لم يكن هناك دعم شامل للسودان من قبل الدول العربية فسوف يكون السودان في الطريق للانقسام إلى دولة ثالثة ورابعة، وحينها لا ينفع الندم. فها هو العراق أصبح بأخطائنا السياسية تحت السيطرة الإيرانية، فهل تكون دولة الأكراد هي وحدها من سوف تقف ضد إيرانبالعراق. رغم شدة الصراعات والنزاعات الداخلية المستمرة بين الأكراد أنفسهم، إلا أن الظروف السياسية والأمنية في المنطقة تسير لصالحهم، فعلى قياديي المجتمع الأكراد أن يستغلوا الموقف بذكاء ويفكروا بجدية بجمع بيضهم في سلة واحدة، والعمل على وحده الصف والسعي للاتفاق فكرياً وثقافياً وسياسياً بعيدا عن الخلافات، وأن يسعوا بهمة رجل واحد متكاتفين لإنشاء دولة مستقلة لهم، وأن يضعوا أيديهم مع الحكومة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي. حلم دولة الأكراد منذ مئات السنين لن يصبح واقعاً إلا بدعم مطلق من بعض الدول العظمى، فمن الذكاء السياسي التعامل مع دولة الأكراد مستقبلياً بدبلوماسية عالية وأن نضعها تحت قائمة الأصدقاء قبل أن يلتهمها شبح المنطقة «إسرائيل» كما فعلت في جنوب السودان. للتاريخ ومع مرور الأيام ستصبح كلمة «انقسام» مألوفة على مسامعنا، كما أصبحت كلمة» اللاجئين» لدينا عادية جداً.