أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي أن نعمة الإيمان أعظم نعمة على العبد، فمتى حظي بها فقد نال نعمة لا تداينها نعمة، ولا توازيها منة، بها تتحقق سعادة الدنيا والآخرة، مستشهداً بقول الباري سبحانه: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: إن الإيمان أكبر منة للوجود الذي يمنحه الله ابتداءً لهذا العبد وسائر ما يتعلق بالوجود من آلاء الرزق والصحة والحياة والمتاع، إنها المنة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميزة، وتجعل له في الحياة أثراً فاعلاً، وحتى ندرك قيمة هذه النعمة فلنتدبر قول الله سبحانه: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فهل يستوي من كان ميتاً في الضلالة هالكاً حائراً فأحيا الله قلبه بالإيمان، وهداه له، ووفقه لاتباع رُسُله، لا يهدي إلى منقذ ولا مخلص له مما هو فيه. وبين أن من فقد الإيمان ولم يعرف ربه الذي خلقه ولا نبيه الذي أرسل بالحق تخبط وهلك، قال ابن تيمية رحمه الله: «إن الجهل بالله سم مهلك». وأشار إلى أن الإيمان عباد الله ريح ومغنم ومنة لا يقدر قدره إلا من عرف قيمته، وله آثار عظيمة تعود على حياة العبد المسلم، فمن آثاره التي حق لنا أن نقف عندها أن الإيمان يغير كيان العبد فيكون باعثاً له على بذل المعروف ودافعاً إلى استباق الخيرات، فإن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه) رواه البخاري ومسلم. وأكد أن المؤمن يبعثه إيمانه ليكون فاعلاً منتجاً، فكم يشعر بالسعادة عندما يقدم الله، ويأنس بمساعدة غيره وخدمته، وتطيب نفسه عندما تُفرج كربةُ أخيه على يديه، وهو حريص على أن يكون له سهم في شتى المجالات الخيرة، وأن يحظى بنصيب وافر من الأجر وحظ عظيم من الدرجات لا يُهمه ما فاته من الدنيا ولكن يزعجه ويقلقه ما فات عليه من الثواب. وشدد على أن الإيمان حقيقة يحول العباد إلى أداة فاعلة مثمرة منتجة؛ لذا فالمؤمن يحرص مدة بقائه في الدنيا أن يكسب من الحسنات ويجمع من خصال الخير، ويزداد قربه من ربه، ويشعر أنه في سباق لا ينتهي حتى الموت، فهو يسابق الزمن ويضن بالوقت أن يذهب عليه سدى، وبالعمر أن يفنى بلا فائدة. وقال لقد تمثلت تلك القضية بصورة واضحة جلية في واقع خير البرية وسيرة أزكى البشرية محمد صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأخشاهم له الذي كان دائم الصلة بربه لا يفتر عن ذكره ولا ينقطع عن عبادته، يُعلّم الناس الخير ويدعوهم إلى كل فضيلة، وينهاهم عن السوء والفحشاء وكل رذيلة، فكل من جالسه أو اجتمع به نالته بركتُه وسَعِد بمصاحبته، وهكذا يكون حال المؤمن الصادق. وفي المسجد النبوي تناول الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم في خطبته عن عظيم ما خلق الله سبحانه من مخلوقات في هذا الكون الواسع، تدل على عظمته سبحانه، وتوجب التفكّر فيها، والمسارعة إلى التوبة وصرف العبادة له الواحد الأحد خالق كل شيء. وأكد أن أحسن ما أنفقت فيه الأنفاس هو التفكّر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلّق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته، مبيناً أن آيات الربّ هي دلائله وبراهينه التي بها يعرف العباد ربهم بصفاته وتوحيده، وأن التفكّر في مخلوقات الله عبادة وهداية، وهو مبدأ الخيرات ومفتاحها، وبه يعظّم العبد ربه ويزداد إيماناً ويقيناً، ويفتح بصيرة القلب وينبهه من غفلته ويورثه حياة وتدبراً ومحبة لله وتذكراً. وبيّن أن التفكّر في آيات الله من أفضل أعمال القلوب وأنفعها، يدعو إلى العمل ويلزم صاحبه الاستسلام لله؛ إذ قال سفيان بن عيينة رحمه الله (التفكّر مفتاح الرحمة، ألا ترى أن المرء يتفكّر فيتوب). وأضاف أن التفكّر من خير ما يوعظ به العباد، قال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا). وقال: إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة، والقرآن العظيم مملوء بدعاء الخلق إلى التفكّر في الآيات والنظر في المخلوقات، فقال عز وجل (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ). وبيّن أن الله سبحانه ذمّ المعرضين عن التفكّر فقال (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ). كما أن من عقوبات الله صرف آياته عن المستكبرين، فقال عز وجل (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا).