مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، طيبة الطيبة، أول عاصمةٍ للإسلام، المدينة التي تشرَّفت بِمَقدَمِ الرسول – صلى الله عليه وسلم- إليها وسكناه فيها، التي كرَّمها الله ببناء أول مسجد في الإسلام (مسجد قباء)، المدينة التي يوجد فيها مسجده وقبره – صلى الله عليه وسلم-، التي انطلق منها نور الإسلام، ليزيل معاقل الجهل والظلام، وينيرها بنور الرحمة والسلام، هي نفسها المدينة التي روعتها يدُ التخريب والتفجير بجوار مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، دون مُراعاةٍ لحرمةِ المكان ولا الزمان ولا الإنسان. فالمكان مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ولا يبعد عن مسجده سوى أمتار قليلة، وكيف به والمدينة كلها حرم، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم- (المدينة حرم ما بين عائر – جبل بالمدينة – إلى كذا، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرف ولا عدل..) (مسلم). والزمان شهر رمضان الكريم، شهر الصيام والقيام، شهر الذِّكر والقرآن، الشهر الذي فيه أفضل ليلة في السنة، ليلة القدر، والوقت وقت أذان المغرب والناس تستعد للإفطار في ليلة التاسع والعشرين، قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). والإنسان هو ذلك الجندي المُرابط مع إخوانه في الحرم لخدمة المسلمين المعتمرين، والمصلين المُقبلين على الله بأرواحهم وقلوبهم، مطمئنين أن هناك عيوناً ساهرة تحرسهم، وأيادٍ شريفة تساعدهم، وقلوباً رحيمة ترعاهم، هؤلاء هم جنودنا الأبطال يواصلون الليل بالنهار في خدمة المسلمين في الحرمين، لا ترى منهم كللاً ولا مللاً، ولا يرونه مُجرد عمل، بل هو عبادة لله رب العالمين، أن يُسخّرك الله لخدمة المسلمين، ولكن عيون الشيطان وأتباعه لا تراهم كما نراهم، وأباحت لكلاب النار سفك دمائهم، قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-(والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا). وكيف إذا كان هذا المؤمن صائماً قائماً على خدمة زوار مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، والله إن حذاء جندي من هؤلاء الجنود لهو أشرف وأكرم من كل هؤلاء الأوباش الأوغاد، الذين باعوا عقولهم لأعداء الإسلام وأشاعوا في الأرض الفساد. ومع كل هذه الشرور التي تتربص ببلادنا وبديننا إلا أننا واثقون ومطمئنون مادامت جباهنا تسجد لرب العالمين، ومادامت بلادنا تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين، فنثق بالله عز وجل أنه لن يضرنا أي سوء، قتلانا شهداء بإذن الله، وكلنا جنود ندافع عن ديننا ووطننا بما أوتينا من قوة وإيمان. أعود لمدينتي الحبيبة على ساكنيها -أفضل الصلاة والتسليم-، فقد بشّرنا – صلى الله عليه وسلم- ببشارتين فقال: ( إنها- أي المدينة – طَيْبةُ، تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الفضة) (مسلم). وقال – صلى الله عليه وسلم-: (لا يكيد أَهْلَ المدينة أحد، إلا انماع – ذاب – كما ينماع الملح في الماء) (البخاري).