يتوق المسلمون دوماً إلى زيارة بيت الله الحرام والارتواء من رحمات الله في البيت العتيق، ويزداد هذا الشوق مع نسمات شهر رمضان الكريم، ويتضاعف ذلك الأمل إذا كان أجر العمرة في رمضان كحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. في الحرم المكي ستستمع إلى أنّات المعتمرين وابتهالات المحتاجين. مشاعر كلها فخر واعتزاز، تلك التي تتملكني عندما أشاهد جهود كافة الجهات الوطنية لخدمة زوار الحرمين الشريفين من أبناء المسلمين في كافة بقاع العالم، هذا الفخر نابع من قدرات عالية على إدارة الحشود وتذليل الصعاب بل ومواجهة التصرفات (السلبية)، التي تركن إليها بعض الجنسيات وتقوم بها في موسمي الحج والعمرة. فكما يؤكد ولاة أمورنا -يحفظهم الله- مراراً وتكراراً أن المملكة العربية السعودية قامت على الكتاب والسنة، وتفخر في كل وقت بخدمة الحجاج والمعتمرين، بل وتبذل من أجل ذلك كل ما تملك، حتى ينعم الزائر بأداء المشاعر بكل راحة ويسر وطمأنينة. وهو ما أكدت عليه رؤية المملكة 2030 بالاستفادة من العمق الإسلامي والعربي للسعودية في تحقيق الريادة العالمية. في الحقيقة فإن المتابع لجهود المملكة في خدمة زوار الحرمين الشريفين، سيتأكد بلاشك من أنها تبذل قصارى جهدها في توفير بيئة آمنة ليؤدوا مناسكهم بكل طمأنينة، إذ إن أول صورة تلفت انتباهك عند الدخول إلى مكة أو الوجود بها هو ذلك الوجود الأمني الحريص على سلامة المعتمرين والزائرين، حيث تشير الأرقام الصادرة من وزارة الداخلية إلى أن هناك نحو ثلاثين ألف رجل أمن سعودي يعملون على مدار الساعة لحماية وتنظيم تحركات المعتمرين طيلة الشهر الكريم. بينما أكد الدفاع المدني أن هناك 19 جهة حكومية تشارك في تنفيذ أعمال الإخلاء والإنقاذ والإيواء وخدمات الإسعاف بمكة والمدينة وفق خطط تفصيلية مدروسة ومحكمة. صورة الانتشار الكثيف لرجال الأمن لا يمكن أن تجعلك تغض الطرف عن حجم التوسعات التاريخية في الحرم المكي، التي ضاعفت الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف من 19 ألف طائف في الساعة إلى 30 ألف طائف في الساعة، ليبلغ عدد الطائفين في جميع أداور الحرم 107 آلاف طائف في الساعة، وهو رقم ليس بالقليل في ظل الازدحام وتعدد الثقافات والجنسيات بين زوار المسجد الحرام. وقد زادت التوسعات الجديدة من بهاء المسجد الحرام بهاءً، ليكون تحفة معمارية إسلامية سيخلدها تاريخ المعمار الإسلامي على مدار التاريخ. أحد المشاهد التي يجب أن نقف أمامها كثيراً بالتأمل، هو الصور الإنسانية في مثل تلك المواسم لرجال الطوارئ وما يقدمونه من رعاية صحية عاجلة وسريعة للمصابين والمسنين والعجزة، وكذلك لرجال الأمن الذين لهم إسهامات ملموسة في فك الاختناقات وتوجيه الزائرين والمعتمرين، تلك الصور تشير إلى أن هناك إعداداً دينياً ونفسياً لهؤلاء الرجال الأشاوس، الذين يؤدون عملهم محتسبين الأجر من الله، ويقدمون صورة مثالية تعزز من الصورة الذهنية المتميزة للمملكة وأبنائها أمام العالم. يبهرك في الحرم المكي هذا التنظيم وهذا الاهتمام الذي لم يقتصر على الجانب الأمني والتنظيمي، بل امتد لجانب التوعية والإرشاد من خلال برامج الإفتاء والتوجيه، وشمل أيضاً الاهتمام بنظافة وتعقيم الحرم، حيث تجذب انتباهك تلك السرعة الكبيرة التي يتمتع بها آلاف من عمال النظافة الذين يقومون بالعناية بأطهر بقعة على وجه الأرض، كما تنتابك السعادة من تلك الدقة والسرعة في العمل، حتى إنهم يمكنهم تنظيف الحرم المكي عقب إفطار المعتمرين وصلاة المغرب في مدة قصيرة جداً لا تتجاوز بضع دقائق. كما أن من المشاهد التي تستدعي الفخر والاعتزاز بحق، هو هذا التسابق المحموم من جانب أبناء هذا الوطن المعطاء المحبين للخير في مساعدة المساكين والمحتاجين والضعفاء، هذا المشهد يؤكد أن الحرص على الخير وخدمة الحجاج والمعتمرين لا يقتصر على حكومتنا الرشيدة فحسب، بل هو مكون أساسي من وجدان وتربية المواطن السعودي، والتاريخ ولله الحمد حافل بمثل تلك المواقف المشرفة. حقيقة نحن أمام نعمة تستحق الشكر الكثير لله عز وجل أن منحنا هذا الشرف، ونسأله تعالى أن يديم علينا الأمن والأمان، وأن يحفظ قادة هذه البلاد المباركة من كل مكروه، ويجعلها سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.