رمضان شهر الله، عظيم المنزلة، أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات. هو شهر دُعينا فيه إلى ضيافة الله، أنفاسنا فيه تسبيح، ونومنا فيه عبادة، وعملنا فيه مقبول، ودعاؤنا فيه مستجاب، وحسناتنا فيه مضاعفة. شهر أيامه معدودات، انصرمت منه تسع عشرة ليلة كأنها ليست من أعمارنا، مرت بسرعة البرق! أيامه خارج حسابات الزمن! فليلة القدر فيه خير من ألف شهر، فمن قبلت منه دون سواها كفته لدخول الجنة بإذن الله. قال أمير البيان، مصطفى صادق الرافعي عن ذلك في كتابه وحي القلم «شهر أيامه قلبية في الزمن، متى أشرقت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، تتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنها أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو». أيامه خير وبركة فيها تُصفد الشياطين، وتُقبل النفوس على العبادة طائعةً راغبةً. لياليه أجمل من ألف ليلة وليلة، لا توصف بوصف، ولا تُبين ببيان، ولا تُحد بعبارات. من ضيعها فهو شقي حُرم من غفران الله، ومن لم يُغفر له فيها فمتى سيُغفر له؟ رمضان فيه بركة وروحية عجيبة تسري في دمائنا عبر شرايين قلوبنا، يشعر فيها حتى العاصي، تدعونا للفرار إلى مولانا بالإقبال عليه بقلوب سليمة، يوم لا ينفع مال ولا بنون. أيتها الأيام الباقية من رمضان تمهلي لعلنا نتدارك فيك ما فاتنا من عبادات، فلا ندري هل سنبلغ رمضان المقبل أم لا؟ وكأنها تخاطبنا قائلةً: إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا منها بطول سجودكم. شهر رمضان يدربنا على حياة إيمانية جديدة؛ لنستمر عليها طول حياتنا، فندخل قبورنا كما ولدتنا أمهاتنا. وصدق رسولنا – - صلى الله عليه وسلم- في حديثه الذي رواه عنه عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – «لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان».