يُمثل «القرقيعان» صورة رمضانية رائعة حفظت جانباً إنسانياً واجتماعياً مهماً من أحد أهم الموروثات الشعبية والتراثية. وعندما يهل شهر الخير تأتي معه أجواؤه الروحانية التي تعم كل منزل في المملكة، فتجد كل عائلة تُمارس طقوسها الرمضانية بشعبية جميلة، يستأنس على إثرها الكبير والصغير، وخاصةً الأطفال الذين يتشوقون لحلول النصف من شهر رمضان المُبارك للاحتفال ب «القرقيعان»، والذي يتم من خلاله توزيع المكسرات والحلويات بأشكالها وأفكارها المتنوعة والمتجددة في كل عام. وتُخصص كل عائلة أحد أطفالها للاحتفاء به، وعمل قرقيعان خاص باسمه، تارةً لإسعاد الطفل وتارةً يكون للتباهي بين العائلات ب «نوعية وفكرة» القرقيعان المُقدّم من قِبلهم. وواكبت «الشرق» أجواء القرقيعان في المنطقة الشرقية، وتحديداً في «دارين» التي اشتهرت بمواكبة هذا الموسم على وجه الخصوص. وقالت أم حجي «إحدى سكان دارين القدماء»، إنهم في كل عام يتأهبون لهذا اليوم قبل حلوله، لدرجة أنهم طوال العام يفكرون في كيفية ابتكار فكرة جديدة سابقة عن غيرها ويتجمّلون بها دون سواهم، وأضاف «نتجمع في الليلة الرابعة عشرة من رمضان وبعض المرات في الخامسة عشرة، ونحرص على توفير سلة كبيرة من السعف أو القماش المطرز والمزين بالخرز مملوءة بالقرقيعان المنوّع الذي يحوي المكسرات والحلويات والبسكويت والبطاطس، وكل ما يستهويه الأطفال يتم توفيره في هذه السلة، ومن ثم نقوم بتوزيعه على كل طفل حاضر لحفلة القرقيعان». أما أم سارة، فذكرت أنهم يرتدون حسب العادات والتقاليد ملابس معينة لهذا اليوم، والتي تكون بألوان زاهية ومنوّعة كالوردي والأخضر والأزرق والأصفر والأحمر وجميعها تأتي مُزيّنة بالخرز ومطرزة بالطراز الذهبي العتيق، وتابعت «أما الأولاد الصغار فعادةً ما يلبسون الثياب والسديري أو الإزار، فيما ترتدي الفتيات الصغيرات الجلابيات والبخنق وهو عبارة عن حجاب مطرز باللون الذهبي». وعن الأجواء التي يضُج بها كل بيت، أوضحت أم عبداللطيف «من أم الساهك» بقولها: «تجد أصواتنا لا تكاد أن تُسمَع من الأغاني الجميلة التي خُصصت لهذا اليوم والتي يرقص الأطفال على إثرها ويتسامرون في ظلها مثل «قرقيعان وقرقيعان .. بيت قصيّر ورمضان.. عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام». وأضافت «كل طفل يحرص كل الحرص على الغناء عليها وإلقاء القرقيعان فوق رأسه ليشعر بمدى أهميته، وفي حينه نقول «سلم ولدهم يالله.. خله لأمه يالله». من جهتها، استنكرت الجدة «شيخة الدوسري» الأفكار الجديدة التي غيّرت بساطة القرقيعان كما كان في عهدهم السابق، قائلة «كانت عاداتنا السابقة أجمل بكثير مما نحن عليه اليوم، وكان الأطفال يطرقون الأبواب ويطلبون القرقيعان، ونقوم نحن كبار العائلة بتسليمهم القرقيعان في حقائبهم الصغيرة التي يدورون بها». وفيما يخُص الأفكار الجديدة المتداولة للقرقيعان، أكّد أحد العاملين بالمحلات التجارية المخصصة لبيع مستلزمات الحفلات، أن المحلات تشهد ازدحاماً قبل حلول هذه الليلة للتجهيز والاستعداد لها، حيث تُفرغ عُلب القرقيعان والأكياس بشكل سريع، ويتم طلبها وتوفيرها وبيعها بسعر أعلى من السعر الذي كان عليه قبل رمضان، وذلك لإقبال الناس عليها.