ذهبت قبل أسبوعين لمحل يبيع أجهزة كهربائية وأواني منزلية لشراء هدية لزميلة بمناسبة السكن في منزلها الجديد، ورغم الازدحام الشديد والطوابير الطويلة لنقاط المحاسبة وعربات التسوق المملوءة بالمشتريات، لم يكن هناك خصومات معلنة أو حتى عروض، ولأن الأمر اشتبه علي سألت الموظف عن وجود تخفيضات ربما غير معلنة فأجابني بالنفي، وحتى يحسم الدهشة التي أُصبت بها، استدرك قائلاً وهو يرفع كتفيه ويخفضهما محاولاً التبرير: «رمضان ع الأبواب»! إن ما نقرأه من تحليلات وتوقعات عن انكماش اقتصادي وشيك وضرورة ترشيد إنفاق تكاد أن تكون وهماً أو رجماً بالغيب عندما نرى تدافع المشترين على محلات الأواني المنزلية والأجهزة الكهربائية، ولم تطلق صافرة بدء ماراثون المواد الغذائية بعد. يكفيك زيارة لأقرب مركز تسوق للأطعمة لترى أهرامات شراب «التوت» تعانق السحاب وعلب الشوربة تصل عنان السماء، حتى أن الشخص عندما يسير بجوارها يكون متوجساً حذراً فماذا لو سقطت إحدى العلب فوق رأسه! أما تدافع الناس للتبضع ليلة شهر رمضان لدرجة أن البقالات باتت تفرض قوانين تلزم المشتري بشراء حبة واحدة من الشيء، فهو أشبه ما بكون بالاستعداد للتصدي لمجاعة أو حرب أو قحط. يأتي بعد ذلك سباق التبضع للعيد من ملابس وكماليات الذي يكاد لا يبقي ولا يذر لصاحبها من وقت أو مال حتى إنه في العام الماضي أعلنت بعض المجمعات التجارية فتح أبواب محلاتها للتسوق من بعد صلاة الفجر وحتى العاشرة صباحاً تلبية لرغبة وإقبال المتسوقين. أمر آخر يشير لفرط الاستهلاك الحاصل في رمضان، هو هروب العاملات المنزليات قبل بدء هذا الشهر وارتفاع أجورهن والسوق السوداء التي تقوم بإعارتهن مقابل مبالغ مالية كبيرة لسويعات كلها تدل على أن شهر رمضان قد أُخرِج من سياقه الذي أراده الله عز وجل بعباده وأدخل لفوضى عارمة شعارها الاستهلاك والملهيات. نعم رمضان غير، فشهر رمضان ليس كباقي الشهور ولا يجب أبداً أن تتم معاملته مثل أي شهر عادي. لكن فرديته واختلافه ليست بالضرورة مسوغاً للإنفاق العشوائي والبذخ وتكبد الخسائر. إن خصوصية هذا الشهر الكريم لا ينبغي أن تكون عبئاً مادياً يثقل كاهل رب الأسرة، ولا بأس بأن ينفرد هذا الشهر بنظام مختلف في الأكل والنوم وغيرها بشرط الاعتدال؛ لكن الأولى أن تتمحور الخصوصية على الأعمال عوضاً عن الأشياء.. فهل حرصنا في هذا الشهر على تعزيز سلوك إيجابي أو عادة مستحبة أو امتنعنا عن سلوك أو خصلة غير مرغوبة؟ بين لهاث في الأسواق وفي المطابخ وعلى سفرة الطعام المكتظة بأشهى الأطباق ومهرجانات ومعارض التسوق في كل مكان والسيل العرم من البرامج والمسلسلات الغث والسمين منها التي تتنافس على ما تبقى من دقائق أيام رمضان ولياليه.. فهل سنجد الفرصة لتحسس المضغة يسار صدورنا ونفض ما وقع عليها أو استقر بها من كدر وسواد؟ وهل بعد ذلك الاستهلاك سيتحقق جزء ولو بسيط من غاية هذا الشهر الكريم في استشعار معاناة الفقراء والإحساس بهم؟