قبل أيام قليلة، وحين كانت تشير عقارب الساعة إلى الثانية ظهراً، وأثناء عودتي إلى المنزل، بحثت عن «باكيت سجائري» رغبة في تدخين إحدى السجائر، لكنني وجدته فارغاً، فتوجهت حينها إلى «سوبر ماركت» قريب، لكن واجهتني مشكلة وأنا في طريقي فقد كنت أرتدي ثوبَ نوم جديدَ الحياكة، تسلَّمته من محل الخياطة صبيحة نفس اليوم، وكم كنت أخشى على ثوبي العزيز من حاجز الحفريات الذي يتطلب ممَّن يرغب في تجاوزه أن يمتلك لياقة عالية، وأن يتقمص دور الأمريكي كريستيان تايلور، وهو يمارس الوثب الثلاثي، لكن الفرق بيني وبين كريستيان، هو أنني أرفع ثوبي، ثم «أعض على طرفه بفمي»، ثم «واحد اثنان ثلاثة»… ربما مَن شاهدني وأنا أقفز في الشارع المصاب بداء الحفريات سيرشحني دون تردد للتدريب في إحدى الدورات العسكرية. نعود إلى ما بدأت به، وحين وصلت إلى السوبر ماركت، شاهدت أبا راكان رفيق «السفرات الخارجية»، وصاحب العلاقة غير الوطيدة مع ال «واتسآب»، وقد كانت آخر مرة رأينا فيها بعضنا قبل أربع سنوات بسبب دراسته في الخارج، وتغيير رقمه، وقد تشاركنا صدفة في ممارسة الوثب الثلاثي عبر القفز فوق حفريات الشارع، وبعد إلحاح شديد قبل أن أستضيفه في منزلي لنحتسي معاً فنجان قهوة، ولا أخفيكم خلال ذلك الموقف اتضحت لي لياقته البدنية العالية، لكن المضحك في الأمر هو ما حدث بعد الوثبة، حيث أوقع من الكيس الذي يحمله جريدة، وحين استرقت النظر إلى قاع الحفرية، شاهدت تلك الجريدة المسكينة وعليها «مانشيت»: «نزاهة تصدر دليلاً إرشادياً لخطط وبرامج مكافحة الفساد». ابتسمت قليلاً، وتذكرت عشقي للأغاني الشعبية، خصوصاً «ليت الجروح قصاص». وفي مساء ذات اليوم تأثرت كثيراً بمشهد، أعتبره مشهد «ميلو دراما»، حينما أرادت امرأة العبور من ذلك الحاجز، حيث سقط منها «كيس البامبرز»، حينها تذكرت مشهد عادل إمام مع المعلمة: «من فضلك يا بهجت عايزة أديك سؤال في المنطق»، حينها رد عليها الزعيم بقوله: «السؤال لغير الله مذلة». في كثير من الأحيان نتلذذ برؤية تعاسة الآخرين حتى لو شاهدنا عجوزاً غطت التجاعيد يديها تبيع الحناء والمكسرات على بسطة، فقد يحسدها شخص عديم الإنسانية على تلك السعادة والقلب الذي يهب لأولادها الحب، و»كف يد الحاجة» عنهم، فكم من «راعية بسطة شعبية» نجحت في تربية ابنها ليكون «رجلاً»، وكم من صاحب منصب يتلذذ بتعقيد مصالح الآخرين، لأن منصبه مَن جعله «رجلاً».