ربطت المعارضة السورية قبولها استئناف مفاوضات جنيف بإطلاق سراح آلاف المعتقلين خصوصاً النساء ووقف المذابح اليومية، فيما تحدثت واشنطن عن نقل روسيا مزيداً من المواد العسكرية إلى نظام بشار الأسد. وأعلن المفاوض في وفد المعارضة، محمد علوش، أنه لا يمكن استئناف محادثات السلام التي تعطَّلت قبل أيام إذا لم توقِف حكومة دمشق المذابح وتطلق سراح آلاف السجناء. وصرَّح علوش أمس قبل مغادرته المدينة السويسرية «إذا كان (المفاوض عن النظام بشار الجعفري) يريد حكومة وحدة وطنية حقيقية؛ فعليه أولاً إطلاق سراح 10 آلاف سيِّدة في السجون وعشرات الألوف من السجناء» و»يتعيَّن عليه كذلك وقف المذابح التي تُرتكَب كل يوم، وبعد ذلك ربما يمكن استئناف المحادثات». وبحلول اليوم الجمعة؛ سيغادر جميع أعضاء وفد المعارضة جنيف، وفقاً لمصدر قريب من الهيئة العليا للمفاوضات الممثِّلة لمناهضي الأسد المعتدلين. وكان منسق الهيئة، رياض حجاب، اعتبر الثلاثاء العملية التفاوضية في حكم المنتهية بسبب خروقات قوات الأسد المتكررة للهدنة التي بدأ سريانها في ال 27 من فبراير الماضي. يأتي ذلك فيما أفصح الوسيط الأممي، ستافان دي ميستورا، عن عزمه تسمية منسِّق خلال الأيام القليلة المقبلة للتعامل مع قضية المحتجزين الحساسة. وقبل الجولة التفاوضية الأخيرة؛ ذكر دي ميستورا أن الانتقال السياسي سيكون في صلب المناقشات. وتتمسك المعارضة برحيل الأسد مع بدء عملية الانتقال، وتعتبر تصلُّب الطرف المقابل سبباً في تعليق الاجتماعات. بدورها؛ لم تتطرق المستشارة السياسية والإعلامية للأسد، بثينة شعبان، في تصريحاتٍ أمس إلى مصير رأس النظام، وتحدثت عن ارتباط الحل السياسي من وجهة نظر الحكومة ب «الحوار» و»الاتفاقات الداخلية» و»القضاء على الإرهاب». ومن المعسكر نفسه؛ قال رئيس حكومة دمشق، وائل الحلقي، إنها ستجري استفتاءً على الدستور بعد تشكيل حكومة جديدة. وفيما يعتبر النظام كل معارضيه «إرهابيين»؛ يقصُر المجتمع الدولي الوصف على التنظيمات المتطرفة. في غضون ذلك؛ عبَّر نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، بن رودس، عن قلق بلاده إزاء تقارير تفيد بنقل روسيا مزيداً من المواد العسكرية إلى قوات الأسد. وصرَّح بن رودس أمس من الرياض «نشعر بالقلق إزاء تقارير عن أن روسيا تنقل معدات عسكرية إضافية إلى سوريا» و»نعتقد أنه سيكون أمراً سلبيّاً بالنسبة لروسيا أن تنقل المزيد من المعدات العسكرية أو الجنود إلى هناك، نعتقد أن من الأفضل تركيز الجهود على دعم العملية الدبلوماسية». وتناولت تقارير صحفية أمريكية معلوماتٍ عن نقل موسكو المزيد من قطع المدفعية إلى الأراضي السورية بعد أسابيع من إعلانها انسحاباً جزئيّاً لقواتها العسكرية هناك. ميدانيّاً؛ نقلت وكالة الأنباء «رويترز» عن شاهد عيان أن ما لا يقل عن 40 مقاتلاً موالياً للأسد سلَّموا أنفسهم أمس إلى القوات الكردية في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة «شمال شرق». والمُستسلِمون كانوا مُحاصَرين في سجن يخضع حالياً لسيطرة قوات الأمن الكردية. وتفجَّرت مساء أمس الأول أعمال عنف نادرةٍ في القامشلي بين الأكراد والمسلحين الموالين للنظام، وسُمِعَت أصوات طلقات النيران حتى مساء أمس نظراً لتواصُل القتال. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن «عشراتٍ من المقاتلين الموالين للحكومة سلَّموا أنفسهم للأكراد في القامشلي». وأشار المرصد، في بيانٍ له، إلى أعمال عنف اندلعت الأربعاء بين الجانبين «ما أدى إلى سقوط عددٍ من القتلى»، مُبيِّناً أن القتال استؤنِفَ في المدينة بعدما توقَّف لفترة «في وقتٍ وقع انفجار نتج على الأرجح عن سيارة ملغومة». وتسيطر جماعات كردية على معظم أنحاء المدينة القريبة من الحدود التركية. لكن القوات الموالية للحكومة لا تزال تسيطر على بعض المناطق في وسطها فضلاً عن المطار. ووفقاً للمرصد؛ اندلع الاشتباك «وهو واحد من أخطر جولات القتال بين الطرفين» عندما أوقف أفرادٌ من قوات الأمن الداخلي الكردية «الأسايش» سيارة تُقلُّ ضابطاً في قواتٍ تعمل تحت إشراف جيش الأسد. وأبلغ مسؤول في «وحدات حماية الشعب» الكردية عن 5 عناصر من «الأسايش» قُتِلوا في مقابل 21 قتيلاً من الطرف الآخر. بينما أحصى المرصد، في حصيلةٍ أعدَّها، 3 قتلى من «الأسايش» و4 من قوات «الدفاع الوطني» مع تصاعد الاشتباكات بينهما. و»الدفاع الوطني» عبارة عن ميليشيات شبه نظامية موالية لحكومة دمشق. إغاثيّاً؛ دخلت قافلة مساعدات إنسانية أمس إلى مدينة الرستن المُحاصَرة التابعة لمحافظة حمص «وسط»؛ غداة تمكُّن الأممالمتحدة من إجلاء 500 شخص من 4 مناطق مُحاصَرة. وعدَّ الوسيط الأممي دي ميستورا التقدُّم الذي أُحرِز على صعيد إيصال المساعدات إلى المُحاصَرين «متواضعاً». واتهم الحكومة بأنها «ما زالت تمنع دخول الإمدادات الطبية والجراحية إلى بعض المناطق»، واصفاً ذلك ب «أمر غير مقبول». وتعد الرستن أحد آخر معقلين متبقيين للمعارضة في حمص، لذا تحاصرها قوات الأسد منذ حوالي 3 أعوام. لكن الحصار أصبح تامّاً مع مطلع العام الجاري. وأفاد المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بافل كشيشيك، بأن قافلة مساعدات من 65 شاحنة تحمل موادّ غذائية وأدوية ومعدَّات طبية بدأت في الدخول إلى الرستن في ريف حمص الشمالي، حيث يُعتقَد أنه يعيش نحو 120 ألف شخص. وأبلغ المتحدث الصحفيين بقوله «نعتقد أن هناك 17 مخيماً للنازحين في الرستن تعاني من وضع إنساني صعب» و»هذه هي أكبر قافلة مساعدات مشتركة نقوم بها في سوريا حتى الآن». ويسيطر النظام على مجمل حمص باستثناء بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في الريف الشمالي خصوصاً تلبيسة والرستن «التي لم تصل إليها أي مساعدات منذ أكثر من عام»، بحسب كشيشيك. فيما يحتل تنظيم «داعش» الإرهابي مناطق أخرى في الريف الشرقي للمحافظة نفسها. ووفقاً للأمم المتحدة؛ يعيش نحو 486 ألف سوري في مناطق مُحاصَرة. بينما «يصعُب الوصول» إلى مناطق تضم 4.6 مليون نسمة. وفي إطار خطة إنسانية؛ أجلت الأممالمتحدة بشكلٍ متزامنٍ الأربعاء 500 جريح ومريض مع عائلاتهم من مناطق مُحاصَرة هي الزبداني ومضايا في ريف دمشق والفوعة وكفريا في محافظة إدلب «شمال غرب». وتم إجلاء المحاصرين في حافلات وصلت فجر أمس إلى منطقة قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي «وسط»، لتتجه بعدها إلى مناطق واقعة إما تحت سيطرة فصائل أو تحت سيطرة النظام. وأكد مرصد حقوق الإنسان أن حافلات تُقلُّ 250 شخصاً تم إجلاؤهم من الزبداني ومضايا بدأت الوصول إلى محافظة إدلب الواقع تحت سيطرة الفصائل. في وقتٍ بدأت حافلات تُقلُّ ال 250 الآخرين الذين تمّ إجلاؤهم من الفوعة وكفريا الوصول إلى مدينة اللاذقية «غرب» ودمشق. ووفق اتفاق توصَّل إليه الجانبان في سبتمبر الماضي؛ فإن كافة عمليات الإجلاء وإدخال المساعدات إلى تلك البلدات الأربع يجب أن تجري بشكلٍ متزامن. ومنذ أواخر فبراير؛ تسري في عدَّة مناطق سورية هدنة هشَّة تستثني تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة» بموجب اتفاق أمريكي- روسي ينص على تفعيل إدخال المساعدات. وبدت الهدنة مهدَّدةً بمعارك تدور في محافظات عدة أهمها اللاذقية وحلب «شمال» وحمص «وسط». ويضغط المجتمع الدولي، خصوصاً واشنطنوموسكو، لتثبيت اتفاق وقف الأعمال القتالية وإنجاح مفاوضات السلام. لكن المحادثات تزداد تعقُّداً خصوصاً في ظل التصعيد الميداني. ويُنتظَر إعلان دي ميستورا اليوم عن حصيلة محادثاته غير المباشرة مع وفدي التفاوض. وفرّق المعارِض البارز، منذر ماخوس، بين طلب المعارضة تعليق التفاوض ومقاطعته؛ قائلاً «نحن لسنا خارج المفاوضات ولم نقاطعها، طلبنا تأجيل المفاوضات أو تعليقها، كنا ولا نزال جزءاً من العملية السياسية ولن نقاطعها»، كاشفاً أن مندوبين من فريق الوساطة الأممية ما زالوا يتواصلون مع «فريقنا» و»يناقشون أموراً تقنية مع خبراء من وفدنا».