دخلت الخميس أكبر قافلة مساعدات إنسانية منذ بدء النزاع السوري قبل خمس سنوات إلى مدينة الرستن المحاصرة في وسط سورية، وذلك غداة نجاح الأممالمتحدة في إجلاء 500 شخص من أربع مناطق محاصرة أخرى، في وقت استمرت الاشتباكات بين مقاتلين أكراد وقوات النظام في شمال شرقي البلاد. ويأتي ذلك في وقت طغى الملف الإنساني والميداني على اجتماعات الخميس في جنيف، عشية إعلان الموفد الدولي الخاص تقويمه لجولة المفاوضات المتعثرة بين النظام والمعارضة. وقال الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بافل كشيشيك لوكالة فرانس برس أن قافلة مساعدات من 65 شاحنة تحمل مواد غذائية وأدوية ومعدات طبية بدأت الدخول إلى منطقة الرستن في ريف حمص الشمالي، حيث يعتقد أنه يعيش حوالى 120 ألف شخص. وتعتبر الرستن أحد آخر معقلين متبقيين لمقاتلي المعارضة في محافظة حمص، وتحاصرها قوات النظام منذ نحو ثلاث سنوات، وإن كان الحصار أصبح تاماً منذ بداية هذا العام. وأضاف كشيشيك: «نعتقد أن هناك 17 مخيماً للنازحين في منطقة الرستن تعاني من وضع إنساني صعب». وأوضح أنها «أكبر قافلة مساعدات مشتركة نقوم بها في سورية حتى الآن». وتسيطر قوات النظام على مجمل محافظة حمص باستثناء بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل الإسلامية والمقاتلة في الريف الشمالي وبينها الرستن وتلبيسة، وأخرى في الريف الشرقي تحت سيطرة تنظيم «داعش». ولم تدخل أي مساعدات إلى الرستن، وفق كشيشيك، منذ «أكثر من عام». وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات النزاع السوري إلى سلاح حرب رئيسي تستخدمه الأطراف المتنازعة، إذ يعيش حالياً وفق الأممالمتحدة 486 ألف شخص في مناطق يحاصرها الجيش النظامي السوري أو الفصائل المقاتلة أو تنظيم «داعش»، ويبلغ عدد السكان الذين يعيشون في مناطق «يصعب الوصول» إليها 4,6 مليون نسمة. وفي إطار خطة في رعاية الأممالمتحدة والهلال الأحمر السوري، أجلت الأممالمتحدة في شكل متزامن الأربعاء 500 جريح ومريض وعائلاتهم من مناطق تحاصرها الفصائل المقاتلة أو قوات النظام السوري، وهي الزبداني ومضايا في ريف دمشق (محاصرتان من النظام) والفوعة وكفريا (محاصرتان من المعارضة) في محافظة إدلب في شمال غربي البلاد. وتم إجلاء المحاصرين في حافلات وصلت فجراً إلى منطقة قلعة المضيق في ريف حماة (وسط) الشمالي لتتجه بعد ذلك إلى مناطق واقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة أو قوات النظام. ووفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بدأت الحافلات التي تقل 250 شخصاً تم إجلاؤهم إلى الزبداني ومضايا، تصل إلى محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة «جيش الفتح» وهو عبارة عن تحالف فصائل إسلامية على رأسها «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام». كما بدأت حافلات تقل ال250 الآخرين من الفوعة وكفريا إلى مدينة اللاذقية (غرب) وأخرى لا تزال في طريقها إلى دمشق. ووفق اتفاق توصلت إليه قوات النظام والفصائل المقاتلة في أيلول (سبتمبر) الماضي، فإن عمليات الإجلاء كلها وإدخال المساعدات إلى تلك البلدات الأربع يجب أن تُجرى في شكل متزامن. وتسري في مناطق سورية عدة منذ 27 شباط (فبراير) هدنة هشة تستثني «داعش» و «النصرة» بموجب اتفاق أميركي - روسي وافق عليه مجلس الأمن. ونص على تفعيل إدخال المساعدات إلى المناطق التي تحتاج إليها. وبدت الهدنة مهددة بمعارك تدور في محافظات عدة أهمها اللاذقية وحلب (شمال) وحمص (وسط). ويضغط المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات وروسيا، من أجل تثبيت اتفاق وقف الأعمال القتالية ونجاح مفاوضات السلام الجارية في جنيف. إلا أن المحادثات لم تحقق حتى الآن أي تقدم، بل إنها تزداد تعقيداً، لا سيما في ظل التصعيد الميداني على الأرض. في شمال شرقي البلاد، قال «المرصد» أن «فريقاً مؤلفاً من 7 موظفين في الأممالمتحدة على الأقل مع عائلاتهم، لا يزالون عالقين في مدينة القامشلي التي تشهد معارك عنيفة بين قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام من طرف، والقوات الكردية من عناصر أسايش (قوات الأمن) ومقاتلي الوحدات الكردية ووحدات مكافحة الإرهاب من طرف آخر، بالتزامن مع قصف لقوات النظام على مناطق في الحي». وأكد أحد كوادر الفريق الأممي أن «سبعة من كوادر الفريق لا يزالون عالقين في شارع التأمينات بالحي الغربي من مدينة القامشلي، وسط سقوط قذائف بالقرب منهم، بعد تعرض سيارتهم التي تحمل شعار الأممالمتحدة لإطلاق نار لم تتسنَّ معرفة مصدره». وإذ سقط أكثر من 8 جرحى من المواطنين نتيجة قصف قوات النظام مناطق في مدينة القامشلي بالتزامن مع الاشتباكات المتواصلة في المدينة، سلم 50 عنصراً من قوات النظام السوري أنفسهم إلى المقاتلين الأكراد في مدينة القامشلي في شمال شرقي سورية إثر تجدد المعارك العنيفة بين الطرفين لليوم الثاني على التوالي. وكانت الاشتباكات المستمرة، وهي الأعنف بين قوات النظام وقوات الأمن الكردية (أسايش)، منذ الأربعاء أسفرت عن مقتل 16 شخصاً، بينهم مدنيان وفق «المرصد». وقال مصدر أمني: «منحت الأسايش عناصر من قوات النظام السوري حتى الساعة الثانية عشرة ظهراً لتسليم أنفسهم في سجن علايا، وحين انتهت المهلة، اقتحمت السجن حيث دارت اشتباكات عنيفة». وأردف أن «50 عنصراً من قوات النظام سلموا أنفسهم للأسايش التي تمكنت من السيطرة على السجن». وأكد «المرصد السوري» سيطرة قوات الأسايش على السجن، وتسليم «العشرات من قوات النظام أنفسهم». وأفاد مراسل فرانس برس بأن قوات النظام السوري تستهدف «بالقذائف والهاون أحياء سكنية وسوقاً في المدينة توجد فيها مراكز لقوات الأسايش». وأكد أن «الوضع في مدينة القامشلي سيئ جداً، وليس في إمكاننا التحرك من أماكننا». واندلعت الأربعاء معارك بين الأسايش وقوات النظام السوري إثر إشكال عند حاجز في المدينة. وأسفرت المعارك منذ الأربعاء عن مقتل «أكثر من عشرة من عناصر الدفاع الوطني الموالين للنظام وأربعة من قوات الأسايش ومدنيين أحدهما طفل». وتحاصر قوات الأسايش «المربع الأمني» وهو عبارة عن المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات النظام في القامشلي، وفق «المرصد». ووسط هذه المعارك، «وقع انفجار بدراجة نارية مفخخة قرب حاجز للأسايش قرب حي طي في المدينة»، وفق ما أفاد «المرصد» من دون أن يشير إلى سقوط ضحايا. وتبنى تنظيم «داعش» تفجير أحد عناصره بحزام ناسف حاجزاً لقوات الأسايش في المدينة، مؤكداً مقتل وإصابة «15 مرتداً». وتتقاسم قوات النظام والأكراد السيطرة على مدينة القامشلي التي نادراً ما شهدت حوادث مماثلة. وانسحبت قوات النظام السوري تدريجاً من المناطق ذات الغالبية الكردية مع اتساع رقعة النزاع في سورية عام 2012، لكنها احتفظت بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.