أرسى الملك عبدالعزيز آل سعود أسس العلاقة بين المملكة وعديد من دول العالم، منذ توحيد المملكة وإعلانها دولة موحّدة تمتد على معظم مساحة الجزيرة العربية، وتميزت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية، بكونها العلاقة الاستراتيجة التي استمرت منذ اللقاء الأول الذي جمع بين الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت مع الملك المؤسس عبدالعزيز عام 1945، على الرغم من مرورها بمراحل من الفتور والخلافات، نتيجة أزمات المنطقة وقضاياها، لكنها مع ذلك اتسمت بالايجابية على مر العقود، وبشكل خاص في الشراكة التجارية وعلاقات التسلح وبعض ملفات الدولية والشرق الأوسط ودول الخليج وكذلك ما يخص العالم الإسلامي، وتأتي زيارة الرئيس باراك أوباما قبل أشهر قليلة من نهاية ولايته الرئاسية الثانية لتؤكد على عمق العلاقة بين البلدين، ومحاولة لتجاوز الخلافات في بعض الملفات السياسية التي تتعلق في المنطقة وخاصة الأزمة السورية والعلاقة مع إيران بعد التوقيع على الاتفاق حول النووي مع دول 5+1 العام الماضي، الرئيس أوباما ربما في زيارته بعد غد الخميس لحضور القمة الخليجية يحاول التأكيد على العلاقة الاستراتيجية مع دول الخليج والمملكة بشكل خاص في ظل ظروف باتت بالغة الصعوبة في الشرق الأوسط ، ولابد من أن تكون ملفات الإرهاب والقضية الفلسطينية وسوريا واليمن والعراق التي توليها قيادة المملكة أهمية بالغة على طاولة البحث مع الرئيس الأمريكي، تاريخ العلاقة بين المملكة وأمريكا كانت محور حديث الباحث والمتخصص في العلاقات الدولية الدكتور لؤي الطيارل «الشرق»، فيما تناول المحلل والخبير السياسي الدكتور خالد با طرفي جانب آخر من هذه العلاقة بين الدولتين. قال الدكتور لؤي الطيار إن تاريخ العلاقات السعودية – الأمريكية يعود إلى عام 1931، حيث بدأت المفاوضات لتوقيع اتفاقية التعاون بين البلدين التي استمرت لمدة عامين قبل التوقيع النهائي الذي تم في عام 1933، وجاء ذلك انطلاقًا من سياسة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله القائمة على استقلالية القرار والبحث عن العلاقة التي تحقق مصالح البلاد والتي استطاع من خلالها تحقيق عديد من النجاحات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاستراتيجي على مدار 21 عاماً منذ عام 1932 إلى 1953. ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية حتى وقتنا الراهن توالى على حكم المملكة العربية السعودية أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز، حيث حملت كل مرحلة من مراحلها تاريخاً مميزاً للعلاقات الخارجية مع جميع الدول على كافة الأصعدة وبشكل خاص مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. في عهد الملك عبدالعزيز بدأت العلاقات الاقتصادية السعودية – الأمريكية عام 1931، حينما منح الملك عبدالعزيز حق التنقيب عن النفط في المملكة إلى شركة أمريكية، وتُؤرَّخ أول زيارة قام بها وفد سعودي رفيع المستوى إلى الولاياتالمتحدة بعام 1943، عندما أرسل الملك عبدالعزيز ابناه الأمير فيصل والأمير خالد لبحث مستقبل العلاقات الثنائية، ثم عززت العلاقات بلقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945. وفي عام 1953 تولَّى الملك سعود – رحمه الله – الحكم حتى عام 1964. زار الملك سعود الولاياتالمتحدة عام 1962، واجتمع مع الرئيس جون كينيدي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتلبية حاجة المملكة الأمنية. وفي عام 1964 بدأت فترة حكم الملك فيصل – رحمه الله- واستمرت لمدة 11 عاماً؛ تضمنت هذه الفترة مشاريع تنموية، حيث التقى الملك فيصل بالرئيس لندون جونسون عام 1966، وبحث معه تأسيس شراكة سعودية – أمريكية لتنفيذ مشاريع التنمية في المملكة، وفي عام 1971 التقى الملك فيصل الرئيس ريتشارد نيكسون في واشنطن، وتأسست بعدها لجنة الاقتصاد السعودية الأمريكية المشتركة. كما شهدت هذه الفترة مرحلتي مد وجزر في العلاقات السعودية الأمريكية وبالتحديد عام 1973م. وبعد وفاة الملك فيصل – رحمه الله- وتولى الحكم الملك خالد بن عبدالعزيز – رحمه الله- في عام 1975، وكانت أول زيارة رسمية له للولايات المتحدة الأمريكيا في أكتوبر 1978، التي ترتب عليها زيارة الرئيس جيمي كارتر للرياض في نفس العام، واجتمع مع الملك خالد وبحثا – إلى جانب العلاقات الثنائية – ما عُرِفَ بمشروع كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب وإسرائيل، وبعدها استقبلت الولاياتالمتحدة زيارات رسمية لعددٍ من الأمراء. الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله- هو خامس ملوك السعودية، واستمرت مدة حكمه ل 23 عاماً من 1982 حتى عام 2005. زار الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله- الولاياتالمتحدة، والتقى الرئيس رونالد ريغان في واشنطن في عام 1985، والتي ترتب عليها 3 زيارات قام بها الرئيس جورج بوش (الأب) في الفترة ما بين عام 1990 حتى عام 1992، وفي كل هذه الزيارات كان الملك فهد على رأس مستقبليه، وفي عام 1994 زار الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون المملكة، والتقى الملك فهد وبحثا العلاقات بين البلدين. حيث دخلت العلاقات السعودية الإمريكية منعطفاً آخر في هذه الفترة وبالتحديد أثناء وبعد حرب الخليج الثانية. في فترة الملك عبدالله – رحمه الله- وهو سادس ملوك الممكلة العربية السعودية ، استمرت فترت توليه الحكم 10 سنوات منذ عام 2005 حتى 2015، تطورت الأحداث في المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل متسارع، والتقى الملك عبدالله الرئيس بل كلينتون عام 1998 خلال زيارةٍ لأمريكا في إطار جولة عالمية شَمِلَت 7 دول حينما كان ولياً للعهد، وسبق ذلك لقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، منها اجتماع الملك فهد والأمير عبدالله، آنذاك، بنائب الرئيس الأمريكي آل غور، عندما زار المملكة. وحين كان الملك عبدالله ولياً للعهد تكررت زيارته لأمريكا خلال الفترة من 1987 حتى توليه الحكم عام 2005. شاركت المملكة في مؤتمر قمة العشرين الاقتصادية العالمية والتي انعقدت في واشنطن العاصمة يوم 15 نوفمبر 2008، التي أعلن الملك عبدالله من خلالها رصد المملكة مبلغ 400 مليار ريال لمجابهة الأزمة المالية العالمية ولدفع عجلة التنمية والنهضة في المملكة وضمان لعدم توقف مشاريع التنمية بها ولدعم وحماية المصارف المحلية. وقام الملك عبدالله بزيارة إلى الولاياتالمتحدة في أبريل 2005، تم خلالها إبرام عدد من الاتفاقيات العلمية وقّعها مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، لتفتح آفاقاً واسعة في علاقات البلدين. وفي عام 2008، زار الرئيس بوش الابن المملكة مرتين في شهري يناير ومايو، والتقى خلالهما الملك عبدالله، وبحثا تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات. وفي نوفمبر من العام نفسه، استقبل الملك عبدالله في مقر إقامته بمدينة نيويورك الرئيس بوش، الذي ثمَّن آنذاك مبادرة الملك عبدالله بالدعوة إلى اجتماع حوار بين أتباع الأديان والحضارات والثقافات في مقر منظمة الأممالمتحدة، معتبراً انعقاد الاجتماع في مقر المنظمة تكريماً لدور الملك عبدالله في تعميم ثقافة السلام والتقارب بين أتباع الأديان. وفي صيف 2010؛ شارك الملك في اجتماع قمة مجموعة العشرين الاقتصادية في واشنطن أثناء زيارته لها، وكان في استقباله لدى وصوله مقر الاجتماع الرئيس بوش. الرئيس باراك أوباما زار المملكة في يونيو 2009، واشتملت المباحثات التي أجراها مع الملك عبدالله على أزمة الشرق الأوسط والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها. وتوفي الملك عبدالله في يناير 2015، و هو الحدث الذي وصفه نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن بالخسارة الكبرى للسعودية، وقال: «كنت دائماً معجباً بصراحته وتقديره للتاريخ وفخره بجهوده في تحقيق التقدم لبلاده وإيمانه العميق بالعلاقة بين السعودية والولاياتالمتحدة.» وذكرت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية أن وفاة الملك تأتي في وقت حساس للمملكة، وهي تناضل لمواجهة تأثير انخفاض أسعار النفط محلياً، وصعود تنظيم «داعش»، ومجابهة إيران التى يزداد نفوذها في الشرق الأوسط مع تولي وكلائها أدواراً بشكل متزايد في العراقولبنانوسوريا. عندما تولَّى الملك سلمان حكم المملكة العربية السعودية، والذي شهد تطورات عدة. ودخلت العلاقات الأمريكية السعودية منعرجاً حاداً تصوره البعض أنه قد يغير من مجراها في السنوات المقبلة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأمر الذي رآه عدد من المراقبين أن الرياض ستكون مجبرة مستقبلاً على تنويع حلفائها، وفسره المحللون على أنه تقارب أمريكي إيراني على حساب العلاقات السعودية الأمريكية. حيث اكتفت السعودية بالترحيب ببند في الاتفاق يبقي عقوبة حظر التسلح على طهران لمدة 5 سنوات دون أي إشارة أخرى إلى المضامين الأساسية في الاتفاق والقاضية بتعطيل أي إمكانية لامتلاك إيران للقنبلة الذرية، وجاء تعليق السعودية على الاتفاق في شكل بيان أوضحت فيه أنها تدعم أي اتفاق يمنع طهران من امتلاك قنبلة ذرية. حيث تشهد العلاقات السعودية الأمريكية في هذه الفترة بعض الاختلاف في الآراء، مما جعل المملكة العربية السعودية تبحث عن حلفاء جدد يخدمون مصالح المملكة العربية السعودية في المنطقة. كما أن زيارة الرئيس أوباما للمملكة العربية السعودية الخميس تندرج في إطار العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية المشتركة ومناقشة الأوضاع السياسية في المنطقة وخاصة الملف السوري والملف الأهم هو ملف القضية الفلسطينية والذي يحمل رقم (1) في كل هذه الملفات وبالإضفة إلى ملف الإرهاب. المحلل والخبير السياسي الدكتور خالد باطرفي بدوره تحدث عن تطورات العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية منذ نشوئها قبل أكثر من 80 عاماً، وبدأ باطرفي حديثه بما نقل عن الشيخ عبدالله بلخير، الذي عمل مع الملك عبدالعزيز مترجماً ومسؤولاً عن قسم الإذاعة، قوله، عن الفرق بين علاقتنا مع أمريكا ومع غيرها من الدول العظمى بالقول إن «هناك أصدقاء وهناك شركاء، وفي المصالح الوطنية، يتقدم الشريك على الصديق، وأمريكا اليوم أكبر شريك». وأوضح باطرفي أنه ومنذ اللقاء الأول، والذي حضره بلخير مترجماً، بين الملك المؤسس والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، عام 1945، وضع ملوك السعودية الشراكة مع الولاياتالمتحدة على رأس أولويات استراتيجيتهم السياسية. وقال باطرفي إنه ومع ذلك، فبين الشركاء، قد تمر أوقات وأحوال تكون لكل طرف مصالح متباينة وآراء مختلفة في أسلوب التعامل مع قضايا الساعة وكيفية حلها. وأشار إلى خلافات كانت الأبرز بين المملكة وأمريكا حول القضية الفلسطينية، ثم الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق والسياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية، وأخيراً الموقف من تصدير إيران للثورة والإرهاب. في هذه المواقف بدا وكأنما ظن الشريك الأمريكي أنه أخبر بشؤوننا العربية منا، وقد جلبت هذه التجاوزات على منطقتنا العربية البؤس والدمار. يقول باطرفي» زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، توصل الملك سلمان مع الرئيس أوباما لعدد من نقاط الاتفاق بين البلدين، لا تزال قائمة، يمكن تخليصها في دعم الولاياتالمتحدة قيادة المملكة لحملة تحرير اليمن وإعادة الحكومة الشرعية. ويرى الطرفان طريق الخروج من الأزمة من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 ومخرجات الحوار الوطني في إطار مبادرة السلام الخليجية. كما يدعو البلدان إلى وضع موانئ اليمن تحت إشراف الأممالمتحدة. وأن الدولتين لا تريا دوراً لبشار الأسد في أي تسوية سياسية لأزمة سوريا، وتوكدان دعمهما لوثيقة مؤتمر جنيف1 التي تدعو إلى الانتقال السلمي والديمقراطي للسلطة في سوريا. وأهمية أن تقف أمريكا مع المملكة ضد التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، وإشعالها للطائفية ورعايتها للإرهاب. ووعدت أمريكا بتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي والتسليحي والتدريبي. كما تضمّنت المشاورات المشتركة بين واشنطنوالرياض تشجيع الدولتين لحملة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في الإصلاح ومحاربة الفساد في بلاده، مع الدعوة لتأليف حكومة تمثل وتستوعب كافة مكونات الشعب العراقي. ودعا الطرفان إلى إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية ممتدحين مبادرة السلام العربية التي أعلنت في مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت عام 2002 م. ودعت االدولتان إلى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة في لبنان، عاجلاً. وعد الجانب الأمريكي بسرعة توفير الأسلحة والتجهيزات الأمنية المتطورة والعمل على بناء درع صاروخي خليجي مشترك، والوقوف مع دول الخليج ضد أي عدوان إيراني محتمل.ووجّه الزعيمان حكومتيهما بمزيد من التعاون وعلى نطاق أوسع في مختلف المجالات العسكرية والتجارية والاستثمارية والصحية والتعليمية. وأكد البلدان مواصلة تحالفهما في مجال مكافحة الإرهاب والحملة الدولية ضد تنظيم داعش، ويشمل ذلك التعاون العسكري والأمني والاستخباري والمالي، لتجفيف الموارد المالية والبشرية والعسكرية للمنظمات الإرهابية. كما أعلن قادة البلدين الالتزام بالإتفاقات والتفاهمات التي تمت بين قادة مجلس التعاون الخليجي والرئيس أوباما في اجتماع كامب دايفيد، مايو الماضي. وأكد البلدين أهمية استقرار أسواق النفط لصالح كل من المصدرين والمستهلكين. وهكذا نرى أن قائمة المتفق عليه تغطي جل المجالات المثيرة للقلق في المنطقة، وتستجيب لتطلعات شعوبها، وتهدف لخدمة مصالح القطاعين العام والخاص في مختلف المجالات الحيوية للبلدين.