حدّثني أحد الأقرباء الثقة فقال: «كنت في سكن الجامعة برفقة أصدقاء من إحدى الدول الغربية، وكنت معتاداً كلما رُحت أن أخبرهم أنني ذاهبٌ إلى المكان الفُلاني وأسألهم فيما أرادوا شيئاً ما لأجلبه لهم معي، وكنت أفعل ذلك أدباً مني وخشية أن يتحسسوا من ذهابي دون مقدمات، لأننا رفقة وأصدقاء، ومع مرور الوقت وتكرار فعلي هذا استنكروا عليّ ذلك وسألوني: لماذا تخبرنا بخصوصياتك؟ نحن نفعل ما نريد دون طرح أسباب أو ذِكر شخصيّات «انتهى حديثه، فاعتبر هؤلاء هذا الفعل «خصوصية» لاعتيادهم على ذلك في بلدهم، وبالطبع كان رد فعلهم ذلك مفاجئاً له، حيث إنه بلا شك كان يفعل ذلك من باب الذوق والأدب وتلمس احتياجاتهم، رغم أنه موقفٌ بسيط لكن لقنَّه درساً مهماً، وهو تجنب ما نمارسه خطأً مع الأسف في مجتمعاتنا واعتاد عليه الآخرون منّا فتسبب مع الوقت في «التسبيب» لكل شيء وانتشار الحساسية الاجتماعية العالية فتشعر أن عليك طرح الأسباب لأفكارك وأفعالك ومعتقداتك وأحلامك بل وحتى نياتك، التي كثيراً ما تُفسَّر على الأهواء والتخمينات الشخصية؛ وإلا فأعانك الله على ما ستلقى من قلوبٍ ملتويَة ونظراتٍ مُستغرِبَة وظنونٍ مُلفَّقة. وتجد أن البعض يفعل ذلك «التسبيب» خشية تبرّم الآخرين وقد يكون هؤلاء «الآخرون» لا يكترثون به أن يخبروه خطواتهم وأمورهم الشخصية. اعتدنا مع الأسف على فعل ذلك وعوّدنا الآخرين، حتى بات الواحد منّا إذا كان في جمع أصدقاء أو أقرباء أخبر عما ينتوي فعله حتى لا يقلقهم غيابه بعد ذلك، أو بعدما يعود يشرح لهم أنه حدث له كذا وكذا حتى يبرِّر عدم رده على ذاك الكم من الرسائل أو الاتصالات التي وردته في غيابه أو انشغاله أو مرضه، رغم أن الإسلام ضمن لنا تلك المساحة الشخصية في كل تفاصيل حياتنا، مهما كانت الصلة والقرابة بيننا وبين الآخرين، حتى يتمتع الإنسان بخصوصيته دون أن يشوبها تدخل أياً كان واطلاع على حياته الخاصة، وذلك عين الخطأ فلا داع «للتسبيب»، ويكفي التهذب والتأدب واللباقة في الرد الملائم للموقف، وهذا لا يتنافى أو يتعارض مع الود والمحبة والاحترام القائم والمتبادل بين الطرفين، إلا إن كان ذاك «التسبيب» في موضعه الصحيح الذي لن يجلب ضرراً أو سيستجلب منفعةً أو سيستلزم الإفصاح بالقدر الذي يستلزمه.