نتوقف أمام الحرية والعدل ومكافحة الفساد في المجتمع وإدانته بالطريقة الصحيحة، لأننا ببساطة وبدون لغة فلسفية عصية على الفهم، نتصف بقيم فكرية وأخلاقية ونفسية مغايرة. فالحرية على سبيل المثال مخنوقة في العرف الاجتماعي بصور متعددة، منها، أن بعض الأفراد يعاملون منذ ولادتهم كممتلكات خاصة إلى آخر مطاف حياتهم وهم خلال دورتهم المعيشية ينجبون أولادا بنفس الظروف ويورثونهم ذات القيم والمعاناة، فبعض الأسر تعامل الابن او الابنة بنوع من الصرامة وتفرض عليه قيودا عدة من باب الأدب والتعلم وتقنعه بأن كثيرا من حقوقه سوف تمنح له بطريقة صحيحة وعادلة بمجرد زواجه وارتباطه بشريك حياة يلبي هذه الاحتياجات، خاصة الفتيات! حتى لو كانت هذه الحقوق تنحصر في شكل طلبات صغيرة يمكن تلبيتها بدون ضرر، مثل زيارة الصديقات أو الخروج برفقتهن أو غيرها من هذا القبيل، وهذا ينطبق أيضا على الشاب ولكن بوجوه أخرى، أي أن حريته قد ترتبط بزواجه أو ببلوغه مرحلة عمرية معينة تحددها الأسرة، لذا نجد ان كثيرا من الفتيات تتحفز لفكرة الزواج لمجرد أنه باب يفضي إلى ممارسة بعض حقوقها وحريتها، لكنها تتفاجأ بعد ذلك أن هذه المؤسسة الاجتماعية الجديدة التي انتقلت لها ليست مجالا لذلك، كما أن شريك حياتها يتفاجأ أيضا بحجم الطلبات التي يجب أن يلبيها لها لإسعادها، ومن هنا يحدث التضارب والصراع، فكلا الطرفين جاء محملا بالطموح والطلبات ولم يجد مجالا لتلبيتها.. والمشكلة أننا نشتكي من هشاشة الثقة التي يعاني منها كثيرون منا، فكيف نتوقع أن يكون هناك فرد واع بحقوقه ويدافع عنها ويملك ثقة وأهدافا عالية وهو ابن هذه البيئة الاجتماعية التي تفكر بهذا المنطق؟. أما القضية الأخرى وهي قضية العدل، واقصد تحديدا العدل الاجتماعي «كقيمة يمارسها الأفراد تجاه بعضهم» اشكاليتها تبرز في أننا نحاول تطبيق العدل وأكثر من العدل فيما يتعلق بحقوقنا الشخصية، لكن عندما يتعلق الأمر بحقوق الآخرين يختل الميزان، نحن نطلب السماح والعفو من الآخرين عندما نخطئ ونذكر كل القيم الأخلاقية والدينية لصفة السماح والغفران بينما في خطأ الآخرين نستجلب كل الأدلة العرفية والشرعية والأخلاقية التي تجرم هذا الخطأ ونرى أن إدانتنا له تمثل عقابا اجتماعيا لا بد منه لتقويم هذا الزلل.! إن الأصل في الإنسان أن يكون أنانيا محبا لنفسه، وهذه صفة إن لم تهذبها الحضارة والثقافة والعلم فلن تتحقق قيمة العدل والحقوق والنبل الأخلاقي وكل ما من شأنه أن ينظم الحياة الاجتماعية.. أما قضية إدانة الفساد ومكافحته فكيف ستتحقق كمبدأ فعلي لعملية الإصلاح الاجتماعي عندما لا يحدد مفهوم الفساد اذ يظنه البعض فقط في سرقة المال العام، ولا يراه في التقصير والإهمال وضعف الهمة عن أداء مهام العمل، بل إن بعض الموظفين يمارسون نوعا من الفساد في العمل لكن كونه لا يقع ضمن منطقة الفساد المالي لا يرون عيبه! أما على مستوى النظرة للفساد الأخلاقي في المجتمع فهناك فئة مصابة بانفصال في الوعي الواقعي وتعاني خللا في التفكير فلا ترى الفساد إلا في كل ما يتعلق بحقوق وحريات المرأة.. كثيرون هم من يعانون ازدواجية المعايير ويطالبون بالإصلاح الاجتماعي والأخلاقي وهو السبب في الخلل القائم.