يذهب المريض إلى الطبيب بإرادته من أجل التداوى من عِلًّة، أو مرض، أو وهن، فيقول له الطبيب بعد الفحص: لديك ضعف عام وهُزال، وتحتاج إلى مقويات وفيتامينات، ليسترد جسمك قوته وعافيته، وليس أمامك إلا أن تتعاطى هذا.. وهذا.. وهذا من الفيتامينات، ثم يشرع الطبيب في كتابة بيان العلاج.. فيقاطعه المريض في لهث قائلاً: أرجوك تخير أقوى وأنجع أنواع الدواء، فليس الثمن مهماً.. المهم أن استرد قوتي وعافيتي.. أرجوك.. فالصحة لا تُقدر بثمن، ثم يقدم الشكر الحار للطبيب، مشفوعاً بثمن الكشف الملتهب، وذلك عن قناعة وطيب خاطر، وبلا تردد. لنتصور جدلاً أن الطبيب قد أخبر المريض بتشخيص آخر، إذ قال: سيدي إن لديك نقص حاد في \" فيتامين التحضر\" وصل إلى درجة الأنيميا، وتحتاج أن تُنقل فوراً إلى غرفة العناية المركزة كي نتمكن من إعادة الفيتامين إلى مستواه الطبيعي في \" سلوك حضرتك \"، وإلا فالخطر المحدق سيحاصر حياتك الأخلاقية من كل جانب، بل قد يذهب بها إلى حيث لا رجعة.. هذه نصيحتي لك، فما رأيك؟!. لنتخيل أن الطبيب قال ذلك، فما هو رد الفعل المتوقع من المريض؟.. من الجائز أن لا يدرك المريض معنى ولا مفهوم كلمة التحضر، وذاك حال شريحة ليست بالهينة في المجتمع، فيقول المريض: ومن أي صيدلية سوف اشترى زجاجات الفيتامين؟!!.. أو ربما يعرف ولكن يخشى مواجهة الطبيب، فقد تكون شركات الدواء قد أنتجت جديداً في عالم الدواء وهو لا يدرى.. فلا داعي أن يعرض نفسه للإحراج، أو ربما يقول.. أنا لم اسمع من قبل سيدي الطبيب عن هذا العلاج.. يبدو أنك تمزج، أو ربما يقول أشعر أنك تريد أن توجه إلى رسالة.. وعندئذٍ تنفرج أسارير الطبيب، ويقول: ليست العلة دائماً في البدن.. ربما تصيب العلة السلوك كذلك، ودعني أقول لك، وأرجوك لا تغضب:- أولا: لقد جئت إلى هنا بلا ميعاد مسبق، وهكذا يفعل الكثيرون، وذاك نقص في مستوى التحضر.. آسف في اللفظ.. لكنها الحقيقة، فكيف يكون شكل الحياة إن أصر كل منا على عدم احترام الوقت والميعاد؟. ثانيا: لقد ارتفع صوتك في مكان ليست فيه وحدك، بل يشاركك الجلوس آخرين، ربما يزعجهم صوتك المرتفع، فكيف تكون الصورة إن علت كل الأصوات.. فمن يسمع من؟!. ثالثاً: لقد حاولت وأنت تتحدث مع الآخرين أن تفرض رأيك عليهم، وكنت في ذلك متعصباً متشدداً، وكأنك تملك ناصية الحقيقة، فما هي الثمرة التي جنيتها أنت وهم جراء حوار من طرف واحد؟. رابعاً: لقد تحايلت حتى تأخذ دور غيرك في الكشف، وكنت لحوحاً وأنت تسوق الحجج والمبررات كي تأخذ حقاً ليس لك، فكيف تتخيل حياتنا إن فعل الكل مثلما فعلت؟. خامساً: لماذا تشاجرت مع الرجل الذي ينظم الدخول إلى حجرة الكشف والخروج منها، فهو يجلس لخدمتك وتنظيم العمل، كرجل المرور.. هل يستقيم الحال على طريق بلا رجل للمرور؟!. والسؤال، هل يمكن أن يقبل المريض تشخيص الطبيب هذه المرة؟ أشك.. لأن الإنسان لا يقر دائما بعلله الأخلاقية، ولا بعيوبه السلوكية، في الوقت الذي لا يدخر وسعاً في الإعلان عن علله الجسدية بكل طريق ممكن.. فلماذا؟ رغم أن علة الخُلق أشد وطأة وخطورة من علة البدن، لأنها لا تضر صاحبها فقط، وإنما يمتد أثرها السيئ إلى المجتمع.. فأيهما أولى بالعلاج؟!. فلئن كان الذي وقع في عيادة الطبيب يتكرر في حياتنا بصور متعددة، وفى أماكن متعددة، حتى بات التحضر استثناء، والهمجية، وانحطاط الذوق، والإهمال، وسوء الأدب هو القاعدة..ماذا يكون العمل؟!. وبعد، ألا ترى معي عزيزي القارئ، أن فيتامين التحضر ضرورة مجتمعية ملحة، في الشارع، وفى الجامع، وفى العمل، وفى الموصلات، وفى الحوار.. الخ، ضرورة ملحة لي ولك ولكل أفراد المجتمع؟!!. عبد القادر مصطفى عبد القادر [email protected]