مرَّ قرابة الثلاثة أسابيع على التسجيل، الذي أذاعته سارة الودعاني، الفتاة ذات الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدت فيه سخطها على طريقة الاستقبال والخدمة، التي لاقتها في قسم الطوارئ بمستشفى النور عندما اصطحبت أمها، التي كانت تعاني من مشكلة صحية. خلال ساعات «قلائل» أصبح التسجيل مادة ثرية للرأي العام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت سارة ضيفة على عدة برامج تليفزيونية لتتحدث عن معاناتها في المستشفى، وصرَّحت بأنها تلقت اتصالات عدة من مسؤولين كبار في وزارة الصحة وغيرها، يطمئنونها بأن شكواها موضع اهتمام وتحقيق، وأن تحقيقات وإجراءات حازمة سوف تُتَّخذ. وبالفعل تحركت وزارة الصحة على أعلى مستوياتها، وأرسلت لجنة من القيادات العليا في ديوان الوزارة في الرياض للتحقيق في الواقعة، التي تم تداولها على كل جهاز جوال في البلاد تقريباً. وحتى تاريخ كتابة هذه السطور مازالت أعمال اللجان جارية بجدية تامة، ودون أي تسريبات عن طبيعة القرارات التي ستصدر. كل هذا جميل جداً، ونتفهَّم، ونبارك أن تتحرك القيادات العليا في الوزارة لمتابعة شكوى مواطنة، أشارت إلى وجود تقصير في الخدمات الصحية، التي تقدمها مستشفيات الوزارة، والأجمل من ذلك أن يأتي ذلك التحرك سريعاً وخلال ساعات «قلائل» من صدور الشكوى، ولكن ثمة نقاطٌ أخرى تدعو إلى التأمل فيما جرى، وتدفعنا إلى شيء من التعجب، فعلى بُعد أقل من كيلو متر واحد من مستشفى النور، يقع صرح طبي كبير، هو مدينة الملك عبدالله الطبية، إحدى المدن الطبية التخصصية المعدودة على مستوى المملكة، وتنفرد بإجراء عمليات القلب والأورام لجميع المرضى المحوَّلين من مستشفيات مكةالمكرمة. مدير مدينة الملك عبدالله الطبية، كتب قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وتحديداً في 28-2-1437 ه، خطاباً تحذيرياً لوزير الصحة، يشتكي فيه من «أن وضع المدينة الطبية في الوقت الحالي قد وصل إلى وضع حرج جداً لقاء التأخر في الاعتمادات، والمنافسات، ما أدى إلى إلغاء 7 عمليات قسطرة في مركز القلب.. الذي أشير فيه إلى صعوبة الاستمرار في العمل بالشكل المطلوب وفق الخطة المعدة لذلك في ظل النقص الشديد في بنود وحدة القسطرة، الذي يؤثر بشكل سلبي على وضع المدينة الطبية، وسمعتها ضمن المدن الطبية التابعة لوزارة الصحة». ويضيف بأن المدينة الطبية تعاني كذلك من نقص في الأدوية نتيجة تأخر الوزارة في اعتماد لجنة فحص العروض لأكثر من شهر، ويؤكد «أن ما ذكر أعلاه، ينعكس على قدرة المدينة الطبية على الاستمرار في تقديم الخدمات التخصصية إلى المرضى، وتقديم الرسالة التي تأسست من أجلها، مع العلم أنه وحتى تاريخه لم يردنا ردكم على مخاطباتنا حيث إن المسؤولية التقصيرية في الوقت الحالي لا تقع على عاتق المدينة الطبية، كوننا نحاول سد العجز الواقع بشتى الطرق لكن دون جدوى من ذلك». «الوطن 18-12-2015». مرَّت أكثر من ثلاثة أشهر والمدينة الطبية تعاني من نقص خطير، أدى إلى إلغاء عمليات قسطرة قلبية، ونقص في الأدوية والمعدات الجراحية، ومديرها يستجدي الوزير، ويُخلي مسؤوليته عن الضرر، الذي سيلحق بالمرضى، ومع ذلك لم نشاهد، أو نسمع بلجان عليا، أتت خلال ساعات، ولا اتصالات وتحركات، أو تصريحات وقرارات حازمة. والدة سارة، رغم كل الانتقادات، تلقت علاجها لثلاثة أيام في ذات المستشفى، وخرجت بفضل الله سليمة معافاة، لكن وحده الله يعلم ما الذي حلَّ بمرضى القلب المنتظرين طوال أشهر في المستشفى المجاور، وهو ما يجعلنا نتساءل: ما هو مقياس الوزارة في التحرك العاجل للاستجابة للشكاوى؟ هل هو الحرص على صحة وسلامة المرضى، أم مقدار الصدى والحرج الإعلامي، الذي تسببه هذه الشكاوى؟ وهل كان ينبغي لمدير مدينة الملك عبدالله الطبية أن يُسجل مقطعاً على ال «سناب شات» لتلتفت إليه الوزارة كما فعلت مع سارة؟!