أن نغنّي للأرض، أن نلامس خيوط البهاء التي تتدفق على مساحة هذا الكوكب المختال، أن نسرح بخيالنا الشاعريّ؛ لنلمّ فتات الضوء على مسرح حياة الإنسان ومدرجه، وملاعب طفولته البريئة، وغمار نضارته الشفيفة، وأفياء قوّته المتوثّبة.. أن يتشابك كل ذلك وأكثر في مديات عطائه ونضجه، فليس هذا سوى بعض الوعي بما تعنيه الأرض لنا، بجمالها ومكنوناتها مما أنعم الله سبحانه وتعالى على خلقه، «ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون». إننا في هذا الكون الهائل لسنا غير جزء من مجموعة شمسية تحتضن أمثالها مجرّة تنتمي لمجرات كونية هائلة، وفي التعبير القرآني الكريم يشير قول الله تعالى: «سنريهم آياتنا في الآفاق» إلى هذه المعاني. وعلى هذا الكوكب الذي تتسلل إلينا ألوانه، ويمخر بنا عنفوانه، يحتفل العالم سنوياً بحدث «ساعة الأرض». وفي تعانق بين الحديث والحدث، ينظم الصندوق العالمي للطبيعة حدثاً سنوياً، يتم خلاله تشجيع الأفراد والمجتمعات، وكذلك المؤسسات والشركات على إطفاء الأضواء والأجهزة الإلكترونية غير الضرورية لمدة ساعةٍ واحدة من الساعة 8:30 حتّى 9:30، في توقيت الدولة المحليّ، في مساء يوم أحد أيام السبت في شهر مارس، وذلك لرفع الوعي بخطر التغير المناخي؛ حيث كانت مدينة سيدني الأسترالية هي أول مدن العالم التي بدأت هذه الحملة في 2007، إلى أن صار هذا الحدث مناسبة سنوية في أكثر من 7000 مدينة وبلدة حول العالم. وشاركت العاصمة الرياض في مساء يوم السبت الماضي الموافق 19 مارس في هذا الحدث، حينما احتفت أمانة منطقة الرياض بالحدث البيئي العالمي، كرسالة تضامنية تفاعلية؛ للتعبير التوعوي الهادف إلى الحفاظ على الطبيعة، وحماية البيئة، إضافة إلى ترشيد استخدام الطاقة. وتفاعلاً مع هذا الحدث يتم إطفاء إنارة عدد من الطرق والشوارع واللوحات الإعلانية التابعة لأمانة منطقة الرياض، كما قامت بعض الفنادق والشركات بالمشاركة، وأعطت الشموع التي امتلأت بها بعض الباحات في هذه السنة العالمية معنى تفاعلياً واسعاً يمكن أن يحضر في وعي الإنسان وثقافته، من خلال منهجية تترادف مع أدوار جميع الجهات التي يمكن أن تؤثر في ترسيخ هذه الرسالة، ولعل دوراً أكثر انتشاراً يُنتظر من أمانات المناطق و مؤسسات التعليم وعبر الجهود الإعلامية المتنوعة؛ لزيادة مساحة وفعل التأثير والإسهام في تأكيد إيجابية الرسالة التي هي مناط هذا الحدث العالمي. ومع ما يشهده العالم من تقدم صناعي وتقني، يتزامن معه تزايد معدلات النمو السكاني على أغلب البلدان، فإن اطراداً موازياً يحدث عبر تزايد معدلات طلب واستهلاك الطاقة على مستوى الفرد أو القطاعات الأخرى التي تمس منفعة واحتياج السكان، وليست مشكلات انقطاع الطاقة الكهربائية إلا مشكلة مؤرقة للجميع في أنحاء العالم، وليس في منطقتنا العربية فحسب. فمثلاً، انقطع التيار الكهربائي في شمال شرق أمريكا وعدد من المدن الكندية في أغسطس 2003، واستمر حوالي 30 ساعة نتيجة نشوب حريق في محطة توليد طاقة نووية في بنسلفانيا؛ فتوقفت حركة المترو في نيويورك في أمريكا وأونتاريو في كندا، كما انقطعت الاتصالات الهاتفية، وأغلقت 6 مطارات في البلدين، و7 محطات نووية في أمريكا، مما تسبب في خسائر ضخمة بلغت نحو 35 مليار دولار، الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي للظهور على شاشات التلفاز ليقدم تفسيراً للرأي العام حول ما حدث. بينما تسبب عطل في محطة التوليد الرئيسة في إحدى الولاياتالهندية إلى انقطاع الكهرباء عن 200 مليون شخص في الجزء الشمالي من الهند في 2001، ليعود نفس الأمر على نطاق أوسع عام 2012، وتنقطع الكهرباء عن نصف سكان الهند تقريباً، بسبب تعطل الشبكات التي تمد 12 ولاية بالطاقة، ليومين متتاليين، تأثرت فيهما المستشفيات. ويحاول العالم أن يبحث عن حلول عبر مصطلح «الطاقة الخضراء»، وهو عبارة عن تجهيز واستخدام لطاقة متجددة يمكن استثمار الطبيعة لإنتاجها، مثل طاقة الرياح، والطاقة المائية، والطاقة الشمسية. وفي السعودية أعلن الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء المهندس زياد الشيحة عن طرح الشركة لأكبر مشاريعها لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية في مشروع «ضباء الخضراء»، كما يدفع المنتدى السعودي للمباني الخضراء نحو الاستثمار في مشاريع المباني الخضراء، التي منها مركز الملك عبدالله المالي، الذي يوصف بأنه أضخم مشروع توسع للمباني الخضراء في العالم. إن الجميع يتحدث عن أهمية المحافظة على هذا الكوكب الإنساني، وإن أصيبت أجزاءٌ من إنسانيته في مقتل، إلا أنه قادر على أن يتجاوز محنه حين تكون ساعة أرضه ساعة «حُبّ»، كما يعبر أحمد بخيث في شعره: «هنيئاً لمن علّموا الأبجديةَ.. كيف تُضيفُ إلى الحَاءِ باءْ».