حدثتني صديقة أن شقيقها الأصغر كان يكره الدراسة، وكانت أصعب أوقاته عندما تجبره على مراجعة الدروس وقت الاختبارات، وكان من العبقرية بمكان أنه يحاول أن «يدرس» العلوم ليلة امتحان الرياضيات، والرياضيات ليلة اللغة العربية، والسبب أنه كان يعتبر الدراسة دراسة، على رأي المثل القائل «كلّه عند العرب صابون»؛ لذلك كان يتناول أقرب كتاب إليه ويشرع في (الدراسة). كانت دراسة أخيها تبدأ بعد انتهاء المسلسل العربي الذي كان يبث على التليفزيون «الأردني» بعد أخبار الثامنة مساء. وكان أكثر المسلسلات محبة إليه مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي) المصري؛ حيث أضاع سنة كاملة من عمره الدراسي بسببه. كل ما ذكرته أعلاه كان تمهيداً لأخبركم أن أخاها عندما كان يحاول فتح الكتاب للدراسة كان يصاب بالحكة في جميع أجزاء جسمه. فيمسك الكتاب بيد، ويحك باليد الأخرى (يد تقرأ ويد تهرش)، ثم لا يلبث أن يرمي الكتاب ويشرع في الهرش العشوائي بعزم وتصميم.. ويقنع نفسه بأنه حاول الدراسة لكن (الحكة منعته من الدراسة)، فينال أجر المحاولة على الأقل. تذكرت هذه القصة وأنا أتابع الصحف والمواقع الإلكترونية؛ حيث بدأت أهرش بيد واحدة في البداية، ثم بيدي الاثنتين، وساعدني القلم، وعرفت متعة الهرش في زمن الخرابيش. أقرأ الخبر مكررا لدى الجميع، ثم أقرأ مقالات تعقب على ذات الموضوع.. هذا ضده وذاك معه وذاك يحاول التوفيق بينهما فلا ينجح. لا نتفق في السياسة ولا في الاجتماع ولا في الاقتصاد.. لا أقصد أن نتفق تماما، فهذا مستحيل، لكني أقصد أننا لا نتفق على المفاهيم ولا على المبادئ فتصير نقاشاتنا مثل المطحنة.. مجرد جعجعة في جعجعة في جعجعة. حتى أننا لا نتفق بين أنفسنا، فتجد الواحد منا ممتلئاً بالتناقضات المتفقة على تحويلنا إلى شعب مصاب بالفصام الجماعي، فلا هو مع حرية المرأة ومساواتها، ولا هو ضد هذه الحرية والمساواة، لكنه يغير موقفه بسرعة البرق، بين المرأة الحبيبة، وبين المرأة الأخت أو المحرم.. لا بل أسرع من البرق وأكثر خطفا. لا أستطيع أن أجد موقفا صارما أدافع عنه بثقة.. لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الاجتماع، فقد ضاعت الحكاية. أنا الآن أهرش وأهرش وأهرش، وقد عرفت السبب الذي كان يصيب أخاها بمتعة بالهرش!! لأنه لم يكن يفهم شيئا!!