لماذا يعتقد بعض الناس بمشروعية الوعظ بالكذب واختلاق القصص؟ هل تزيد قصصاً مؤلفة وأخباراً مفبركة من مصداقية أصحابها أو تدعم حججهم؟ لماذا تبدأ بعض المواعظ بعبارة «حدثني أحد الثقات»؟ مواعظ وقصص لا سند لها ولا شهود إلا رواتها أو أحد ثقاتها المجهولين، رغم أن ثبوت صفة الثقة في الراوي أي أن يكون عدلا ضابطا، غير فاسق ولا سيئ الحفظ، هو أمر محمود لا يلزم أن تطمس هويته أو يلبس طاقية إخفاء! لماذا أيضاً الإفراط في نسبة كل شيء إلى نظرية المؤامرة والغزو الفكري؟ ولماذا التأكيد المستمر على أننا ضحايا مستهدفون، وتصوير الغرب المنهمك في الأبحاث والعلوم والصناعة والاكتشافات بالمتربص بنا في كل وقت وحين؟ ثم إن حتى عبارة الغزو الثقافي التي يأخذها بعضهم بأنها من المسلّمات، هي أيضاَ مقولة قابلة للنقد وللنقاش أو ربما كما يقول عنها الدكتور عبدالله الغذامي «ليست سوى مقولة واهمة، هدفها المبالغة في تخويف الذات». تتعدد مصادر تلك المواعظ لتأتي من أحلام ورؤى، أو مشاهدات ووقائع، أو أن تُسبق بعبارة «ثبت علمياً» لترهيب الناس تارة وترغيبهم تارة أخرى، وكأنه ليس في ديننا ما يفي بالغرض من عِبر وأمثال يضربها الله للناس لعلهم يتفكرون ويعقلون! أو لكأن الحجة غير مكتملة فيحاولون سد الفجوة بما استطاعوا إليه سبيلاً من قصص وأحداث غريبة. مواعظ مختلفة لا ينبغي الخوض في نيات أصحابها، إنما يُعتب عليهم عدم تحري الدقة والتثبت فيما يرويه بعضهم عن أمور عدة كبؤس الحياة في الغرب بشكل عام، أو اللحوم المستوردة التي تستهدف قتل جينات الذكور فيكثر إنجاب البنات، أو كيف تؤثر قيادة المرأة للسيارة على خصوبتها وقدرتها على الإنجاب، أو عن الغيوم والأشجار والنجوم التي تشكلت على شكل لفظ الجلالة، أو عن بضع شعيرات أزالتها امرأة فتسببت لها بأمراض مستعصية وأورام.. ربما كان هذا النوع من الوعظ القصصي يتكرر في كل زمان حسب ظروف أهله ومعطيات بيئتهم. يقول لي والدي إنهم عندما كانوا صغاراً كانوا يتداولون قصة لقبر سيدة كلما دفنوها لفظتها الأرض، وعندما تساءلوا عن حالها قبل الممات قيل بأنها كانت ترتدي «الكرتة»، والكرتة لغير المتحدثين باللهجة القصيمية، هي رداء واسع يكون فيه حد فاصل تحت منطقة الصدر. قصة أخرى يرويها والدي لسيدة يقولون إن النار تشتعل من قبرها وتنبعث الأدخنة منه كل مساء لأنها كانت ترتدي ثوباً «بسحّاب» من الخلف! وبغض النظر عن مشروعية تلك الممارسات من عدمها، فإن الخطاب الوعظي يُفترض أن يكون متزناً في مخاطبة العقل والعاطفة معاً ليتحقق القبول أولاً، والاقتناع ثانياً. الأمر الآخر، أن القرآن الكريم والسنة النبوية مصادر خصبة للوعظ والقصص وضرب الأمثال كما في قوله تعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ» فهل بعد أحسن القصص نحتاج إلى تأليف؟.