ذاك الشعور الفطري، وتلك الإنسانية المضاعفة المزروعة في كل أنثى، خلقها الله تعالى، يجعلان من كل امرأة أماً. تحمل شعور الأمومة بعاطفة شديدة، مسيرة غير مخيرة، تقودها إلى الحنان، إلى التضحية، إلى الأنس لتلك الروح، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ منها، ثم تزداد لطفل ينمو بين أحضانها، فيكبر بين يديها، وأمام عينيها، تعطف عليه، وتحن، تسعى دوماً من أجله، فتفرح لفرحه، وقد تمرض لمرضه من شدة حِرصها، وخوفها عليه. إن الأمومة لا تعني حمل جنين في الرحم، ثم وضعه دون اهتمام، ولا تعني إرضاعه، ثم «فطمه»، وتركه دون اهتمام، ولا تعني احتضان الطفل، وتربيته دون اهتمام، ولا تعني إرشاد الطفل الكبير دون اهتمام، إن الأمومة هي شعور، يخرج من «صُلب الأم»، ويعتصر من قلبها الكبير الحنون، هي شعور معلم، يعلمها كيف تربي، كيف تأمر، كيف تنهر، وترشد، وتعطي، وتمنع، كيف تخاف، وتهتم. إن الأمومة لا تفرض على الأم حمل الطفل دون تربيته، بل إن تلك الأم المهملة هي مَنْ تفرض على نفسها ذلك. إن من المحزن أن نرى حال أطفال اليوم ل «سوء أمومة» بعض نساء هذا الجيل. إن النساء لم يعدن يربين بقدر ما يحملن، ويضعن، وإن قمن بالتربية، فإن ما يقمن به يكاد لا يقارن بما كانت تقوم به النساء سابقاً. من أمهات هذا الجيل مَنْ ترمي ابنها قسراً في أحضان تلك الخادمة حتى يعتاد الطفل تدريجياً عليها، ويتعلق بها كأنها أمه، ببساطة لكونه حُرم من حضن أمه الحقيقية، التي لا تدع مناسبة إلا وتحضرها، ولا صديقة إلا وتزورها، متناسية تلك الأمانة المحمَّلة للخادمة، وهي المسؤولة الأولى عنها. لدي سؤال أود طرحه على بعض أمهات هذا الجيل: متى ستعين أن الطفل هو كيان بحد ذاته، ولا ذنب له أن والده هو نفس الرجل الذي قام بإيذائكِ؟ إن ما تفعله بعض الأمهات من «رمي الأطفال» على والدهم بعد الطلاق، أو الخلاف، أو حتى لدى بقائهم لديها لرفض الوالد رعايتهم من ذكر لوالدهم بسوء، ونعته بصفات سيئة أمامهم هو أمر غير جائز لكيلا توغل صدورهم عليه. ثقافة الانفصال عند الزوجين في مجتمعنا معدومة تماماً، والمتضرر الوحيد هم الأطفال، إن وجدوا. إن الطفل يكاد لا يتحمل مسألة انفصال والديه، وإجباره على العيش مع أحدهما بدلاً من العيش معهما، فكيف له أن يتحمل آثار الخلافات التابعة والناتجة عن الانفصال؟ إن تربية الأبناء تربية صالحة في كنف أهلهم تشكل اللبنة الأولى لنجاح وتقدم المجتمع، وهي «التربية الصالحة» تلك البذرة التي ما إن تُزرع في أرض إلا وتراها تثمر. إن التربية الصالحة هي أساس كل شيء، وعليها يقف أمر كل شيء يختص بتقدم المجتمعات، ونهوضها، لذلك تعد المرأة كل المجتمع، فهي نصفه، وأم، وزوجة، وأخت، وابنة لنصفه الآخر.