منذ أن وعينا ونحن نتعرّف على أمور كثيرة للإيجار .. كالمساكن والمتاجر .. والأراضي والعقارات .. والسلع التي لا يتمكّن الناس من شرائها .. ويُمكن استخدامها بالإيجار لفترة معيّنة .. وأشياء مادّية أخرى كثيرة .. لا يُمكن البتّ فيها كلها في بضعة سطور.لكننا لم نتعرّض إلى تلك الأحداث الجديدة والإيجارات الجديدة التي ظهرت مع ظهور التكنولوجيا وتطوّرها في معظم مجالات الحياة .. كعلم الوراثة والجينات. وغيرهما والتي كان من ضمنها الإخصاب خارج الرحم .. والذي كان اكتشافًا علميًّا باهرًا للمساعدة على معرفة معوّقات الحمل عند النساء .. ومن ثمّ التدخّل العلمي في تقنية أطفال الأنابيب .. التي أحدثت ضجّة كبيرة في نهاية العقود الأخيرة من القرن المنصرم. ومع ذلك التطوّر والتغييرات التكنولوجيّة حدثت تطوّرات في تربية الطفل وعلاقته بأمّه .. ومرحلة حمله وولادته وفطامه .. والتي كانت معروفة ومقرّرة سلفًا حسب المعايير الاجتماعيّة والدينيّة للكثير من المجتمعات الإنسانيّة. وربّما كان ذلك في الحضارات القديمة البائدة .. إنما في الحاضر والواقع الحديث .. فقد تغيّر كل شيء .. وأصبح فطام الطفل يبدأ مع الطفل الوليد .. منذ اللحظة التي يخرج فيها من رحم الأم .. ليُواجه رحم الحياة بكل متاعبها وعواصفها التي لا تهدأ .. خاصّة أن الأمهات .. ولنُطلق عليهن هنا الوالدات .. يُفطمن أولادهن لحظة ولادتهن .. حيث يُسلمنهم إلى من يقمن بإدارة حياتهم ورعايتهم .. وتربيتهم ضمن ثقافة أخرى جديدة ومتغيّرة .. بحسب جنسيّة الحاضنة القادمة من البعيد. منذ سنوات.. تمّ إطلاق لقب الأم البديلة على هؤلاء الحاضنات.. إلاّ أن هذا اللقب أصبح حقيقة واقعة في الكثير من دول العالم .. وبدلاً من الأم البديلة .. أصبحت هناك الوالدة البديلة .. حيث برز تقليع جديد في عالم الأمومة والولادة .. ألاَ وهو تأجير الأرحام النسائيّة .. لوضع جنين لامرأة أخرى من رجل غريب أو قريب .. لا يهم .. المهم أن مالكة الرحم تحظى بشرف الحمل بهذا الجنين طول فترة نموه .. وحتى لحظة ولادته .. حيث يتم قطع الحبل السري لمرّة واحدة فقط وللأبد. هذا الطفل الصغير ستكون له أمّ أخرى مختلفة عن تلك التي حملته وولدته .. فقد أنهت دورها ووظيفتها في تأجير هذا الرحم الذي منحه الله لها من أجل الحفاظ على الكيان البشري فوق هذه الأرض .. وانتهت علاقتها بهذا الطفل الذي عاش في أحشائها فترة الحمل الرئيسيّة التي تجعلها تُصبح أمًّا حقيقيّة .. أعني كما تُسمّى (الأم البيولوجيّة) حيث تنقطع كل علاقاتها ومشاعرها وآلامها .. وأحاسيسها .. بمجرّد تسليم المولود لوالديه (الحقيقيين) على أرض الواقع. انتهى الحمل .. انتهت الولادة .. انتهى عقد التأجير بين الطرفين .. لم يعد من حقّ أيٍّ منهما المطالبة بما لا يتضمّن عليه العقد.. من احتضان.. أو رضاعة .. أو حتى إلقاء نظرة واحدة وأخيرة على هذا المخلوق الذي لا حول له ولا قوّة .. والذي لم يكن لديه الحق في الاختيار .. والانحياز إلى طرف من طرفي عقد الإيجار. ترى من هي الأم الحقيقيّة هنا .. هل هي صاحبة البويضة الملقّحة .. أم هي صاحبة الرحم الذي احتضن تلك البويضة لأشهر الحمل بأكملها ..؟؟ ومع غضّ الأنظار عن الأب الحقيقي .. أو (البيولوجي) لهذا الطفل .. والذي يُمكن أن يكون رجلاً حقيقيًّا متكاملاً .. أو مجرّد سائل مجمّد ومحفوظ في بنوك التلقيح الخارجيّة .. فإن الديانات السماويّة .. لها آراء أخرى ومتحفظة حول هذه النقطة الخارجة عن المألوف الطبيعي للحياة البشريّة السليمة .. هذا لو تساءلنا ما هو رأي التشريعات الدينيّة في هذا الصدد .؟ وكيف تتمّ تسمية هذا الطفل وانتسابه .. وعلاقته بالمحارم وغيرهم من البشر الآخرين ..؟؟ حتى الآن لم يُحاول أيّ تشريع وضعي أو دستور إنساني .. من البحث في احتمالات هذه القضيّة الحديثة .. والتي أباحت المحاذير .. وحرّمت الوقائع .. والتي بدأت تخرج من قمقمها في الخارج .. وتنتشر في أرجاء الأرض شرقها وغربها. فقط الخوف الآن من انتشار هذه التقنيّة الجديدة دون قانون يُنظّمها .. ودون وعي بمدى فداحة هذا الأمر وخطورته .. خاصّة على المدى البعيد .. من جميع النواحي الدينيّة والاجتماعيّة والصحيّة .. والإنسانيّة أيضًا .. من إثارة للفوضى .. واختلاط الأعراق والأنساب دون حقّ .. ودون إذن شرعي .. لذا وجب التنويه والإشارة إلى هذه القضيّة .. ووضع القوانين اللازمة لتلافي وصولها إلى الأجيال القادمة والحالية أيضًا من أبنائنا.. وإلى احتمال تناقلها ووصولها إلينا.. إن لم يكن من الداخل.. فربّما يكون ذلك من الخارج ومن خلال المستشفيات والعيادات الخاصّة بالخصوبة وعلاج العقم .