يتخوَّف سكان الأحياء الشرقيَّة في مدينة حلب من الموت جوعاً بعدما باتوا شبه مُحاصَرين من قِبَل قوات النظام السوري، في وقتٍ بدأت المتاجر تفرُغُ من السلع التي تضاعفت أسعارُها. ولاحظ أبو محمد (42 عاماً)، وهو بائعٌ متجوِّلٌ يقيم في حي الفردوس ولديه 7 أطفال، وصول الأسعار إلى الضعف تقريباً خلال الأسبوع الفائت. ونقل عن الأهالي شعوراً بحصارٍ قادمٍ لا محالة. وأوضح "يتخوَّف الجميع هنا من الحصار، وغالبية السكان من الطبقة الفقيرة التي تعاني لتأمين احتياجاتها"، متسائلاً بانفعال "ماذا لو أصبح الحصار محكماً؟ ربَّما يموتون جميعهم من الجوع، وأنا أولهم". وأبو محمد واحدٌ من نحو 300 ألف مدني يعيشون في الأحياء الشرقيَّة في المدينة التي تعد مركزاً لمحافظة تحمل الاسم نفسَه. وبات المركز شبه مُحاصَرٍ إثر هجومٍ واسعٍ لقوات بشار الأسد تحت غطاء جوي روسي في ريف المحافظة الشمالي. وبدأ الهجوم في مطلع فبراير الجاري، وأسفر عن تضييق الخناق على مقاتلي المعارضة في الأحياء الشرقيَّة، وقطع طريق إمدادٍ رئيسة كانت تربط المركز بالريف الشمالي في اتجاه تركيا. وتشهد المدينة، وهي العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا وثاني أكبر مدنها، معارك مستمرة منذ صيف عام 2012 بين قوات الأسد التي تسيطر على الأحياء الغربية وفصائل المعارضة التي تسيطر على الأحياء الشرقية. ويشكو عشرات الآلاف من السكان الذين يخشون حصاراً مطبقاً من ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية والمواد الغذائية وندرة بعضها الآخر في الأيام العشرة الأخيرة. واتهم أبو محمد بعض التجار بإخفاء بضاعتهم عمداً ثم العودة وعرضها عندما يتضاعف السعر، معتبراً أنَّ "هؤلاء جاءتهم الفرصة المواتية للمتاجرة بالأزمة". ولا تختلف حال "أبو عمر"، وهو أب ل 3 أطفال ويقيم في حي الكلاسة، عن حال "أبو محمد". وأبدى أبو عمر تخوفاً من فرض النظام حصاراً مطبقاً. وأكد "لديَّ بعض المؤن كالطحين والأرز والسكر والزيت التي ربما تكفيني وأطفالي لمدة شهرين أو 3 أشهر كحد أقصى"، لافتاً إلى شحِّ المواد الأوليَّة في الأيام الأخيرة وارتفاع أسعارها؛ ما دفع كثيراً من المحال التجارية إلى إغلاق أبوابها. ووفقاً له؛ كان السكان يشترون لتر المازوت بحوالي 180 ليرة (0.45 دولار)، لكن سعره قفز إلى نحو 300 ليرة (0.75 دولار)، "لذا بات من الصعب استخدامه للتدفئة في هذا البرد القارس". ورغم تخوُّفه من ازدياد الوضع سوءًا؛ لا يفكر أبو عمر العاطل عن العمل منذ أكثر من عام في النزوح في اتجاه تركيا لعدم قدرته على تحمُّل كلفة السفر عبر مهرِّبين. وتصل الكلفة إلى 200 دولار أمريكي للشخص الواحد. وفي حي الشعار الشرقي الذي يتعرَّض يومياً إلى قصفٍ بالبراميل المتفجِّرة تلقيها المروحيات التابعة للنظام؛ يدأب أبو علي (50 عاماً) على فتح أبواب محله المخصص لبيع المواد الاستهلاكية "رغم أنه لم يعد فيه سوى القليل من البضائع"، بحسبه. ويشرح أبو علي "جميع البضائع في أسواقنا صناعة تركية وتأتينا من المعبر التجاري في باب السلامة، وبات طريق الريف الشمالي الذي يصلنا بهذا المعبر مقطوعاً بشكل كامل (…) لذا توقف الناس هنا عن الشراء". وبالنسبة له؛ لم تعد الأرباح التي جناها على مدى الأسبوعين الماضيين تكفي لدفع فاتورة الكهرباء الخاصة بالمحل. ولا تقتصر الأزمة على المواد الغذائية، بل تشمل المحروقات الضرورية لتشغيل الأفران ومولدات الكهرباء والتدفئة والسيارات، بحسب السكان. ويُبيِّن الناشط، محمد جوخدار (27 عاماً)، أن "المادة الرئيسة في المناطق الشرقية هي الديزل، فكل شيء هنا يعمل عليها، نحصل على الكهرباء عن طريق مولدات الديزل، وأفران الخبز وحتى معظم السيارات تعمل على الديزل". ويفيد الناشط المقيم في حي الزبدية بأن "ساعات توليد الكهرباء انخفضت من 14 ساعة إلى 6 ساعات في اليوم الواحد؛ جرَّاء ارتفاع سعر الديزل وقلته". ويختصر عمر قرنية، وهو قيادي في فصيل معارض شارك في القتال شمالي حلب، الوضع بالقول "حصار مركز المحافظة يعد كارثة". عملياً؛ لم يعد أمام سكان الأحياء الشرقية لمدينة حلب إلا منفذ وحيد يُعرَف باسم طريق الكاستيلو، ويربط شمال المدينة بريفها الغربي وصولاً إلى محافظة إدلب المحاذية لتركيا، والخاضعة بشكل شبه كامل لسيطرة فصائل معارضة منذ الصيف الماضي. "لكن هذه الطريق طويلة وخطرة، وتتعرَّض منذ نحو أسبوعين إلى غارات جويَّة روسيَّة"، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويتمكَّن السكان على الرغم من وجود حواجز لقوات الأسد على تخوم الأحياء الغربيَّة من الانتقال من منطقة إلى أخرى في الحالات الضروريَّة، لكن بعد الخضوع لتدقيقٍ في هوياتهم على النقاط الأمنيَّة.