أفادت مصادر متطابقة بمعاناة عشرات آلاف المدنيين من نقصٍ في الغذاء في مدينة الفلوجة التي تحاصرها القوات الحكومية غربي العراق، في وقتٍ كلَّفت بغداد شركة إيطالية بصيانة سد الموصل. وتفرض قوات الجيش والشرطة مدعومةً بفصائل «الحشد الشعبي» حصاراً شبه كامل منذ أواخر العام الماضي على الفلوجة الواقعة في وادي الفرات على بعد 50 كيلومتراً غربي العاصمة. فيما يوفِّر التحالف الدولي ضد الإرهاب غطاءً جوياً. وذكر مسؤولون وسكان أن الأسر في المدينة، التي باتت أحد معاقل تنظيم «داعش» الإرهابي، تعاني نقصاً في الغذاء والدواء والوقود. في السياق ذاته؛ تحدثت تقارير إعلامية عن أشخاص تُوفوا بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية. ولم تتحقق «رويترز» من صحة التقارير نظراً للوضع الأمني الهش وضعف الاتصالات. بدوره؛ دعا محافظ الأنبار، صهيب الراوي، إلى إنزال مساعدات إنسانية عبر الطائرات إلى المدنيين. وأوضح «هذه هي الطريقة الوحيدة لإيصال المساعدات بعدما لغَّم داعش المداخل ومنع السكان من المغادرة». وفي تصريحاتٍ لقناة «العربية الحدث»؛ أكد المحافظ أن «أي قوة لا تستطيع أن تدخل وتؤمِّن المواد الغذائية؛ لذا لم يبقَ لنا سوى أن تنقل الطائرات المساعدات». واحتل مسلحو «داعش» الفلوجة، التابعة للأنبار، في يناير 2014 كأول مدينةٍ عراقيةٍ تسقط في قبضة التنظيم الإرهابي قبل 6 أشهر من اجتياحه مساحات واسعة في الشمال والغرب. ومنذ استعادة القوات الحكومية مدينة الرمادي، التابعة للمحافظة نفسها، في ديسمبر الماضي؛ لم توضِّح السلطات ما إذا كانت ستسعى لاستعادة الفلوجة في تحركها المقبل أم ستتركها مُحاصَرة. بينما تتوجَّه معظم قوات الجيش والشرطة شمالاً في اتجاه الموصل التابعة لمحافظة نينوى. واعتبر نائب رئيس مجلس الأنبار، فالح العيساوي، أن المتطرفين جعلوا من الفلوجة مركز احتجاز ضخماً. وأفاد في تصريحات صحفية بتمكن القوات من السيطرة على كافة المناطق المحيطة بالمدينة «وهو ما ساعد في الحدِّ من هجمات الإرهابيين خارجها، لكن التكلفة عالية جداً لأن المدنيين يدفعون الثمن الآن». وأبلغت طبيبة في أحد المستشفيات بأن «الأدوية والإمدادات تنفد خاصةً في وحدة رعاية ما بعد الولادة»، متسائلةً «ما ذنب من وُلِدوا بعدما عاشوا في رحم أمهاتهم بلا تغذية أو حماية إلا من الله؟». ولم يتسن الحصول على تعليق من متحدثين باسم الجيش أو الشرطة أو «الحشد الشعبي» المدعوم من إيران. وتفيد تقديرات التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة بتمركز نحو 400 مقاتل متطرف في المدينة، لكن محللين عسكريين يقدِّرون العدد بنحو 1000. وكانت طائرات أمريكية أسقطت في 2014 غذاءً وماءً على أفرادٍ من الأقلية اليزيدية حاصرهم «داعش» على جبل سنجار. ولم يستبعد المتحدث باسم التحالف في بغداد، الكولونيل الأمريكي ستيف وارن، عملية مماثلة في الفلوجة. لكنه اعتبر الأمر أكثر صعوبة بسبب سيطرة المتطرفين. وشرح أن «ما يعيب الإنزال الجوي هو صعوبة التحكم في تحديد من سيحصل على المساعدات»، مشدِّداً «يجب أن تكون الأحوال مهيأة بما يتيح للناس الذين تريدون إعطاءهم الإمدادات تسلمها فعلياً، وما من شيء يدل على أن الوضع يسمح بهذا». ووفقاً لمحافظ الأنبار؛ يستخدم المتطرفون المدنيين كدروع بشرية «مثلما فعلوا في الرمادي وهو ما يبطئ تقدم القوات». وعدَّ المحافظ التقارير الإعلامية التي تحدثت عن وفاة ما يصل إلى 10 أشخاص بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية دقيقةً. لكن مسؤولين محليين لم يتمكنوا من ذكر تفاصيل، بينما تحدث سكان عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق «حتى أن المخابز بدأت في تقنين شراء الخبز». ولفتوا إلى ندرة الوقود مع حلول الشتاء الذي تنخفض فيه درجات الحرارة لما يقرب التجمد. وروى رجل، طلب مثل غيره من السكان عدم ذكر اسمه، أن «آخر مرة وزَّع فيها التنظيم سلعاً غذائية أساسية كانت منذ بضعة أسابيع، لكن معظمها نفد بالفعل». ووصفت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لدى بغداد، ليز جراند، الأوضاع في الفلوجة ب «مروعة». وأكدت «نحن قلقون للغاية من تقارير غير مؤكدة عن أشخاص يموتون بسبب نقص الدواء والجوع المنتشر». وناشدت الأممالمتحدة المجتمع الدولي الأحد الماضي توفير 861 مليون دولار لمساعدة نحو 10 ملايين عراقي يعانون من أوضاع إنسانية متدنية على خلفية الحرب ضد «داعش». في سياق آخر؛ كلفت الحكومة برئاسة حيدر العبادي شركة «تريفي» الإيطالية بتنفيذ مشروع صيانة وتأهيل لسد الموصل المهدَّد بالانهيار على بعد 40 كيلومتراً شمال شرقي مدينة تحمل الاسم نفسه. وبسبب أعمال العنف قرب السد؛ توقفت أعمال صيانته في يونيو 2014 وسيطر عليه مسلحو «داعش». واستعادت القوات الحكومية السيطرة عليه بمساندة الطيران الأمريكي في أغسطس من العام نفسه. واستؤنفت أعمال الصيانة بعد شهر من استعادته، لكنها لم تكن كافية لمنع توسُّع التآكل فيه «حتى بات مهدداً بالانهيار»، بحسب خبراء جيولوجيين. وأفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي للعبادي ب «موافقة مجلس الوزراء على قيام وزارة الموارد المائية بإحالة تنفيذ مشروع تأهيل سد الموصل وصيانته إلى شركة تريفي الإيطالية». وخوَّل المجلس الوزارة ب «توقيع العقد مع الشركة المذكورة»، من دون الإشارة إلى كلفة المشروع. والخميس الماضي؛ أعلن فيلق المهندسين الأمريكي الموجود في العراق وضعه أجهزة مراقبة واستشعار على السد لمعرفة مدى تآكله مع الوقت. وحذر مسؤولون أمريكيون من وقوع كارثة كبرى في حال انهيار السد؛ إذ قد يُسبِّب موجةً ارتفاعها 20 متراً يمكن أن تغمُر الموصل. ويعاني السد، الذي شُيِّدَ في عهد الرئيس السابق صدام حسين، من مشكلة بنيوية دفعت المهندسين في الجيش الأمريكي إلى وصفه ب «أخطر سد في العالم» في تقرير نُشِرَ في 2007. وحتَّم ذلك إنشاء آلية لحشوه بمواد إسمنتية بشكل متواصل. لكن مديره، المهندس رياض عز الدين النعيمي، قلَّل من أهمية التحذيرات. ورأى أنه «لا توجد مخاوف من الانهيار ما دامت أعمال الصيانة مستمرة على مدى 24 ساعة بواقع 3 وجبات من قِبَل كادر عراقي اكتسب خبرة فنية متراكمة ويتعامل بجدية». وشاهد صحفي في الموقع أعمال صيانة مستمرة للسد ينفذها عمال داخل نفق يقع تحت متنه؛ حيث توجد مكائن خاصة بالحقن بأطنانٍ من الإسمنت. وذكر رئيس الجيولوجيين في السد، حسين حمد أحمد، أن «لدينا نقاطاً وحُفَراً في قاع نفق التحشية» و»لدينا أعماق محددة»، مستدركاً «عند الوصول إلى العمق النهائي نقوم بعملية التحشية». وتجري العملية عبر ضخِّ مزيجٍ إسمنتي في الحفرة بضغط محدد لملء الفراغات والفجوات المكوَّنة من مواد كلسية تذوب بسرعة وتحدث كهوفاً وفراغات كبيرة تحت الأسس. واتفق رئيس الجيولوجيين مع رأي مدير الموقع قائلاً «لا توجد لدينا مخاوف، وعملُنا مستمر في نفق التحشية». وأعرب عن اعتقاده ب «عدم وجود حلول أخرى حالياً غير هذه الحلول الآنية»، مذكِّراً ب»مقترح سابق لبناء جدار في مقدمة السد لكن كلفته عالية جداً». وكان رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، قال إن بلاده سترسل بسرعة 450 عسكريا لحماية السد بعدما أعلنت الشركة الإيطالية عن فوزها بعقد الصيانة. ولا تزال الظروف الأمنية هشة للغاية في الموقع، ولا يُتوقَّع تمكُّن طاقم الشركة من بدء الأشغال. لذلك ترى روما أن عليها نشر قوة مسلحة لحماية العمال في عمليةٍ يشارك فيها عسكريون أمريكيون. وتشارك إيطاليا في مهمة التحالف الدولي ضد الإرهاب من خلال تدريب قوات الجيش والشرطة العراقيين، علماً أنها شاركت في تحالف إسقاط نظام صدام حسين في 2003. وتعرضت قواتها إلى هجوم دام بسيارة مفخخة في مدينة الناصرية في 2004، ما أسفر عن مقتل 19 جندياً. وسد الموصل، وعمقه 20 متراً، هو أكبر سدود العراق، ويؤمِّن الطاقة والمياه لأكثر من مليون شخص في شماله.