وصف رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، الوضع في بلاده ب «تحت السيطرة» في أعقاب فرض حظر تجولٍ ليلي بعد أيامٍ من احتجاجات غير مسبوقة منذ ثورة 2011، في وقتٍ تلَّقت حكومته وعوداً بدعم مالي فرنسي. واعتبر الحبيب الصيد، في تصريحاتٍ أمس من باريس بعد مأدبة غداءٍ مع رئيس فرنسا في قصر الإليزيه، أن «الهدوء يعود». وشدَّد «الوضع تحت السيطرة حالياً». فيما كشفت الرئاسة الفرنسية، في بيانٍ لها، عن قرارٍ للرئيس، فرانسوا هولاند، بتخصيص مساعدات بقيمة مليار يورو على 5 سنوات لدعم الاقتصاد التونسي الذي يواجه اضطرابات. ووفقاً للبيان؛ فإن «الخطوط العريضة لهذا البرنامج تستهدف المناطق المهمَّشة والشبان والتركيز على التشغيل». وبدأت موجة احتجاجاتٍ في تونس مطلع الأسبوع الفائت انتقلت من مدينة القصرين إلى عددٍ من المدن للمطالبة بالتشغيل، وتخلَّلت بعضها لاحقاً أعمال عنف. وقُتِلَ شرطيّ على الإثر، فيما أصيب عشرات المحتجين. وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة الصيد فرض حظر تجولٍ ليلي في كافة أنحاء البلاد. وجاء في بيانٍ لها «نظراً لما شهدته البلاد من اعتداءاتٍ على الأملاك العامة والخاصة وما بات يُشكِّله تواصل هذه الأعمال من مخاطر على أمن الوطن والمواطن؛ تقرِّر بداية من ال 22 من يناير إعلان حظر التجول في كامل تراب الجمهورية من الثامنة ليلاً وحتى الخامسة صباحاً». وتعهدت الوزارة بإيقاع عقوبات قانونية على كل مخالفٍ للقرار «فيما عدا الحالات الصحية والمستعجلة وأصحاب العمل الليلي»، حاثةً كل المواطنين على «الالتزام بمقتضيات حظر التجول». ودعت السلطات في وقتٍ سابقٍ إلى الهدوء بعد أيامٍ من اضطرابات اندلعت في مدينة القصرين (وسط غرب) إثر وفاة الشاب العاطل عن العمل، رضا اليحياوي (28 عاماً)، السبت الماضي. وصُعِقَ الشاب لدى تسلُّقه عمود كهرباء قرب مقر الوالي احتجاجاً على سحب اسمه من قائمة توظيفٍ في القطاع العام. ووصف والده عثمان اليحياوي نجلَه المُتوفَّى ب «ضحية للفساد والتهميش والوعود الجوفاء». في الوقت نفسه؛ أفاد المسؤول في الحرس الوطني، خليفة شيباني، بتوقيف 16 شخصاً خلال ليل الخميس – الجمعة بعد أعمال تخريبٍ ونهبٍ للمتاجر والمصارف في حي التضامن الشعبي في شمال غرب البلاد. ولاحظ شيباني، في تصريحاتٍ لإذاعة «موزاييك إف إم» الخاصة، استمرار الصدامات حتى الخامسة صباحاً بين الحرس الوطني وملثَّمين. ولفتت مراسلة صحفية إلى تعرض متجرين لبيع الأدوات المنزلية وفرعٍ مصرفي للتخريب والنهب في الشارع الرئيس في حي التضامن، فيما أُضرِمَت النار في نقطة حراسةٍ للشرطة. وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، وليد الوقيني، عدد التوقيفات، وتحدث عن «مجرمين يسعون إلى استغلال الوضع». وبعد تأكيده على تضامن وزارته مع المتظاهرين السلميين؛ تعهد ب «محاسبة من يعتدون على الأملاك العامة والخاصة بقسوة». وسُجِّلَت أعمال تخريبٍ في ضاحية المنيهلة في العاصمة؛ إذ سرق لصوصٌ محلات تجارية. وبعد أيامٍ من المظاهرات شبه الهادئة؛ تحولت الموجة الاحتجاجية أمس الأول إلى أعمال عنف واشتباكاتٍ مع قوات مكافحة الشغب. وأحرق محتجون مراكز للشرطة في عدة مدن، وهاجم عشراتٌ في العاصمة محلات تجارية وبنوكاً، وسجِّلَت عمليات نهب وتدمير. وصباح أمس؛ أحرق محتجون في المنيهلة إطارات سيارات وأغلقوا الشارع الكبير. وسمِعت إحدى سكان الضاحية، وتُدعَى سعيدة، أصوات رصاصٍ وإطلاق قنابل غاز. وأوضحت أن الأطفال أصيبوا بالهلع، متذكرةً أحداث ال 14 من يناير 2011 حين بلغت انتفاضةٌ شعبيةٌ ذروتها وأسقطت النظام. واعتبرت سعيدة أن «هذه ليست طريقة للتظاهر؛ إذ كان ينبغي أن تظل المظاهرات سلمية بلا سرقة ونهب». واضطرت قوات الأمن إلى تفريق المحتجين بقنابل الغاز، بينما اقتحم آخرون مقري محافظتي القصرين وسيدي بوزيد. وأبدت الحكومة تفهمها مطالب المحتجين المشروعة، لكنها حذرت من «مندسين ومتطرفين قد يستغلون الوضع لتشويه التحركات والتسلل إلى المدن وربما التجهيز لبعض الهجمات». بدوره؛ قال عثمان اليحياوي عن نجله «لولا الفساد لما شُطِبَ اسمه ولكان لا يزال حياً، طالما أنهم بحاجةٍ إلى واسطة للحصول على وظيفة سيموت شباب آخرون مثله». وأقيل مسؤول كبير في مدينة القصرين بعد وفاة رضا الحامل لدبلوم مهني في الكهرباء، وفُتِحَ تحقيق حول مسبِّبات تعديل قائمة التشغيل. وروى الأب عثمان (65 عاماً) بصوتٍ يخنقه الغضب أن «رضا كان يسعى لمقابلة المحافظ» لفهمِ لماذا حُرِمَ من فرصة العمل «لكن تم تجاهل طلبه وهذا ما أدى إلى وفاته». وتعهد الأب ل 8 أبناء، الذي يسكن في حي الكرمة الفقير في القصرين القريبة من الحدود مع الجزائر، بالتضحية بنجلٍ ثانٍ إذا لم يحصل على حق المتوفَّى. وطالب بتعويضٍ مالي وب «أن تعترف السلطات برضا شهيداً». ومنذ السبت؛ يشارك عثمان اليحياوي مع مئات آخرين في الاحتجاجات اليومية أمام مقر الولاية وسط انتشار أمني كثيف. ويعتقد أحد أنجاله، محرز (36 عاماً) أن «إهمال الدولة لهذه المنطقة المهمشة منذ عشرات السنين» هو السبب في موت أخيه. ويصف الشاب الباحث عن عمل الوضع الاجتماعي ب «شديد الصعوبة»، معتبراً أن «السلطات تدفع الشباب الفقير إلى التوجه نحو الاتجار بالمخدرات أو الإرهاب». ويشاطره الرأي كثير من شباب القصرين؛ حيث يرتسم الفقر على كل شيء من الطرق المهملة إلى الأحياء المكتظة والمساكن المتهالكة. ويُقرُّ إبراهيم (24 عاماً) الذي ينتعل حذاءً مهترئاً «نحن هدف سهل للتنظيمات الإرهابية»، موضِّحاً «نحن في حالة من التشاؤم والقرف واليأس بحيث إننا يمكن أن نسير خلف الشيطان للخروج من هذا البؤس». وتلاحظ الخريجة الجامعية، فوزية الرتيبي، أن «السكان هنا» يعانون من كثير من الظلم ولم تعد بهم طاقة للاحتمال. وتبدي الشابة، التي تعاني من البطالة منذ 3 سنوات، استعدادها للعمل مقابل 200 دينار في الشهر (90 يورو) حتى تتمكن من شراء الدواء لأمها المريضة. وأمام هذا المشهد المتكرر بعد 5 سنوات من إحراق البائع المتجول محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد وانطلاق الثورة على النظام؛ يعتقد سليم (27 عاماً) أن «هذا دليل على أن سياسيينا لم يفهموا شيئاً». ويضيف وهو يشارك مع عشرات آخرين في قطع الشارع الرئيس في القصرين بالإطارات المشتعلة «أعتقد أن الوقت حان لكي نجعلهم يفهمون ولكي يرحلوا». ويردِّد المحتجون شعار «عمل، حرية، كرامة وطنية» مستعيدين هتافات الثورة التي كان أجَّجها إحراق البائع المتجول، محمد البوعزيزي، نفسه اعتراضاً على سحب السلطات المحلية عربته.