هوَّنت موسكو من نتيجة التحقيق البريطاني في اغتيال العميل السابق لجهاز الاستخبارات الروسي، ألكسندر ليتفيننكو، واضعةً إيَّاها في خانة «الدعابة»، وسط ترجيحاتٍ بأزمةٍ دبلوماسيةٍ مع لندن. واعتبر رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، أن الاغتيال الذي وقع في بلاده عام 2006 كان «قرار دولة»، تعليقاً على توجيه نتيجة التحقيق أصابع الاتهام إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وردَّت الرئاسة الروسية (الكرملين) سريعاً، وأبلغ المتحدث باسمها، ديمتري بيسكوف، الصحفيين بقوله «يبدو أن الأمر قد يكون دعابة» و«يمكن ربط ذلك على الأرجح بروح الفكاهة البريطانية الجميلة»، ساخراً من التقرير القضائي المعتمد على «بيانات سرية من أجهزة خاصة» التي لم تتمّ تسميتها. وانتقد المتحدث استخدام كلمات مثل «من الممكن» و«من المرجح» في التقرير «الذي استند إلى معلومات غير مقنعة». وشدد «هذه المصطلحات غير مقبولة في ممارستنا القضائية وهي ليست مقبولة أيضاً في الممارسة القضائية لدول أخرى»، واصفاً التحقيق بأنه «أشبه بتحقيق»، معرباً عن أسفه لزيادة محتملة من تسميم أجواء العلاقات بين البلدين. لكن ديفيد كاميرون صرَّح لقناة تليفزيونية بريطانية بأن «هذا التقرير يؤكد ما كنَّا نعتقده على الدوام، وما كانت الحكومة العمالية الأخيرة تعتقده حين حصلت تلك الجريمة المروعة، ألا وهو أن ما جرى كان قرار دولة». وأوضح «لهذا السبب قررت الحكومة السابقة طرد دبلوماسيين روساً وإصدار مذكرات توقيف ورفض التعاون مع وكالات الاستخبارات الروسية، وهي إجراءات لا تزال معمولاً بها»، كاشفاً «اليوم أضفنا إلى هذه الإجراءات تجميد أموال وسوف نراجع مجدداً السلطات القضائية لتبيان ما يمكن فعله». وخلُص التحقيق العام في القضية إلى «موافقة بوتين على الأرجح» على هذه العملية. وأشار إلى «أدلة تثبت بوضوح مسؤولية الدولة الروسية في قتل ليتفيننكو مسموماً في لندن». وأعلن القاضي البريطاني، روبرت أوين، في نتائج تحقيقه أن «عملية جهاز الاستخبارات الروسي وافق عليها على الأرجح الرئيس السابق للجهاز نيكولاي باتروشيف وكذلك الرئيس بوتين». وتُوفِّيَ ألكسندر ليتفيننكو في ال 23 من نوفمبر لعام 2006 عن سن 43 عاماً بعد 3 أسابيع على تناوله الشاي في حانة فندق «ميلينيوم» في وسط لندن برفقة عميل سابق آخر للاستخبارات الروسية، يُدعَى أندريه لوجوفوي، ورجل الأعمال الروسي، ديمتري كوفتون. والصورة التي التقطت لألكسندر في سريره في المستشفى قبل وفاته وبدا فيها حليق الرأس وهزيلاً؛ انتشرت في كافة أنحاء العالم. وأتاح التحقيق العثور على كميات كبرى من مادة (البولونيوم-210) في الحانة، خصوصاً في إبريق الشاي الذي استخدمه المتوفَّى. وفي مساء اليوم نفسه؛ شعَر ليتفيننكو المعارض لبوتين والمقيم منذ عام 1999 في بريطانيا، بتوعُّك. وبدا القاضي أوين واثقاً من قيام لوجوفوي وكوفتون بوضع مادة (البولونيوم-210) في إبريق الشاي بنية التسميم في الأول من نوفمبر لعام 2006. وذكر أن جرعة أولى أضعف من البولونيوم وُضِعَت لليتفيننكو في ال 16 من أكتوبر من العام نفسه قبل الجرعة القاتلة في مطلع نوفمبر. واعتبر القاضي أن «الأدلة تؤكد بوضوح مسؤولية الدولة الروسية عن العملية»، في حين نفى الكرملين على الدوام أي ضلوع له. وتعليقاً عن نتيجة التحقيق؛ لاحظ المتحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية أن النتائج تثير قلقاً شديداً. ورأى أن «هذه ليست الطريقة الصائبة للتصرف، وخاصةً لدولة تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي». وطلبت الشرطة البريطانية تسليم لوجوفوي وكوفتون لمحاكمتهما، وهو ما كانت موسكو ترفضه حتى الآن. وأعلنت وزيرة الداخلية البريطانية، تيريزا ماي، أمام النواب أن أرصدة المنفذَين المفترضَين ستُجمَّد. من جهته؛ نفى لوجوفوي، وهو نائب برلماني حالياً عن الحزب القومي الروسي، أي ضلوعٍ له، ووصف نتائج التحقيق بأنها «دون أي أساس»، مبلغاً وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء بقوله «النتائج تؤكد مرة جديدة موقف لندن المناهض لبلادنا». وتوالت التعليقات المندِّدة في موسكو. وعلَّقت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بقولها «لم يكن هناك أي سبب يدفع لتوقُّع أن تكون نتائج هذا التقرير النهائي المسيَّس الذي تنقصه الشفافية؛ حيادية وموضوعية». وفي تقريره حول التحقيق الواقع في 300 صفحة؛ وجَّه القاضي أوين اتهامات مباشرة إلى بوتين. وتوصَّل إلى أن «إدارة بوتين ورئيس جهاز الاستخبارات كان لديهما دوافع لارتكاب عمل ضد ليتفيننكو بما يشمل قتله». وتحدَّث عن «بُعد شخصي لا لبس فيه في العداوة» بين بوتين وليتفيننكو الذي كان يعتبره جهاز الاستخبارات الروسي «خائناً». وأرجع القاضي «التوتر بين الرجلين إلى لقائهما الوحيد المباشر في عام 1998 حين طلب ليتفيننكو من بوتين الذي كان آنذاك رئيساً لجهاز الاستخبارات؛ القيام بإصلاحات». وبعدما لجأ إلى بريطانيا في عام 2000؛ أطلق ليتفننكو «هجمات شخصية متكررة» ضد بوتين، وانضم في لندن إلى الملياردير الروسي المعارض، بوريس بيريزوفسكي. وتُوفِّي بيريزوفسكي في ظروفٍ لم تتضح ملابساتها في مارس 2013. وفور إعلان النتائج؛ طالبت مارينا، زوجة ليتفيننكو، لندن بفرض «عقوبات» على موسكو. وأعلنت أمام الصحفيين «أطالب بفرض عقوبات اقتصادية محددة الأهداف وحظر سفر خصوصا على باتروشيف وبوتين». وبعدما أُدخِلَ ليتفيننكو إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى يونيفرستي كوليدج في لندن عام 2006؛ تحدث خلال فترة احتضاره البطيء لمدة 8 ساعات مع مفتشين اثنين من شرطة «إسكتلنديارد»، وقدم تفاصيل «مهمة للتحقيق». وفي رسالة كتبها؛ وجَّه اتهامات إلى بوتين بأنه أمر بقتله. ودُفِنَ ليتفيننكو، الذي نال الجنسية البريطانية وأشهر الإسلام، في مقبرة بلندن في نعش فولاذي من أجل احتواء الإشعاعات.