وصف وزير الخارجية الاتهامات التي تُكيلُها طهران إلى الرياض ب «فاقدة للدليل» الذي يدعمها، متسائلاً عمَّا إذا كان النظام الإيراني مستعداً للعمل وفق الأنظمة الدولية والتخلِّي عن حالة الدولة الثورية المستخِفَّة بالقوانين. ولاحظ الوزير لجوء النظام الإيراني بدلاً من مواجهة العزلة التي تسبَّب فيها لدولته إلى تعتيم سياساته ودعمه الإرهاب من خلال توجيه اتهاماتٍ إلى المملكة دون دليل. وكتب عادل الجبير، في مقالةٍ نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أمس، أن «العالم يقف مراقباً لإيران بحثاً عن أي مؤشراتٍ تدلُّ على وجود تغيير لتتحول من كونها دولة مارقة وثورية إلى عضو محترم في المجتمع الدولي»، لكنها لجأت عِوضَاً عن ذلك إلى تعتيم سياساتها الطائفية والتوسعية الخطيرة. ونبَّه الجبير إلى أهمية فهم أسباب التزام المملكة وحلفائها من دول الخليج العربي بمقاومة التوسع الإيراني وانتهاج أسلوب الرد القوي لمواجهة أي تحركات عدوانية. وكتبَ «ظاهرياً، قد يبدو وكأن هناك تغييراً في إيران، فنحن نعلم بالخطوات الأولية التي اتخذتها فيما يتعلق بموافقتها على وقف برنامجها الهادف إلى تطوير سلاح نووي، كما أننا وبكل تأكيد على يقين من أن شريحة كبيرة من الشعب الإيراني تسعى إلى تحقيق انفتاح أكبر على الصعيد الداخلي وتكوين علاقات أفضل مع دول الجوار ودول العالم، لكن حكومته لا تريد ذلك». وذكَّر بأن نهج هذه الحكومة ثابت منذ ثورة عام 1979 التي نص دستورها على تصديرها «فعمِدَت إيران إلى دعم الجماعات المتطرفة والعنيفة، بما في ذلك حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والميليشيات الطائفية في العراق، كما أنها وعملاءها متهمون بارتكاب الهجمات الإرهابية التي نُفِّذَت في العالم»، مشيراً إلى تفجير ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في لبنان عام 1983، وأبراج الخبر في المملكة عام 1996، والاغتيالات في مطعم «ميكونوس» في برلين عام 1992. وتناولت المقالة بعض التقديرات عن قتل القوات التي تدعمها طهران ما يزيد على 1100 من القوات الأمريكية في العراق منذ عام 2003. في السياق نفسه؛ اتهم الجبير النظام الإيراني باستهداف المواقع الدبلوماسية كإحدى أدوات سياسته الخارجية. واعتبر أن اقتحام مبنى السفارة الأمريكية عام 1979 والسيطرة عليه كان بدايةً لهذا النهج «فمنذ ذلك الحين؛ تعرضت السفارات البريطانية والدانماركية والكويتية والفرنسية والروسية والسعودية إلى الهجوم سواءً كان ذلك داخل إيران أو في الخارج على أيدي عملائها، كما تعرَّض الدبلوماسيون الأجانب والناشطون السياسيون المحليون لعمليات اغتيالٍ في مختلف مناطق العالم». وندَّد الجبير بسعي حزب الله، عميل إيران، إلى السيطرة على لبنان وشنِّ الحرب ضد المعارضة السورية، مساعداً بذلك تنظيم «داعش» على الازدهار. وربط بين نشاطات الحزب وإصرار طهران على الإبقاء على بشار الأسد في السلطة «حيث ذكر تقرير وزارة الخارجية الامريكية حول الاٍرهاب لعام 2014 أن إيران ترى في سوريا طريقاً مهماً يمكِّنُها من تزويد حزب الله بالسلاح». ويفيد التقرير نفسه، استناداً إلى معلوماتٍ من الأممالمتحدة، بتقديم النظام الإيراني السلاح والدعم المالي والتدريب بهدف دعم نظام الأسد لينفذ قمعاً وحشياً ذهب ضحيته ما لا يقل عن 191 ألف شخص. ولفت الجبير أيضاً إلى تقرير الخارجية الأمريكية حول الإرهاب لعام 2012، والذي رصد «انتعاشاً واضحاً في التمويل الذي تقدمه إيران للإرهاب، وزيادةً في النشاط الإرهابي لحزب الله بحيث بلغ درجة لم نعهدها منذ التسعينيات». وحول الحوثيين؛ تناول الجبير ما نتج عن دعم النظام الإيراني لانقلاب الحوثيين على الحكومة من اندلاع حربٍ أودت بحياة الآلاف. ورأى أنه «في حين تدَّعي إيران تركُّز أولوياتها فيما يتعلق بالسياسة الخارجية حول بناء الصداقة؛ نجد أن نهجها يبيِّن العكس، فهي أكثر دول المنطقة عدوانية، وأفعالُها تعكس التزامَها بتوجُّهِهَا نحو السيطرة على المنطقة وقناعاتها المترسخة بأن الإقدام على أي بادرةٍ وديةٍ ما هي إلا مؤشر على الضعف، سواءً كان ضعفها أو ضعف خصومها». وتحدث عن إجراء إيران في ال 10 من أكتوبر الماضي اختباراتٍ للصواريخ الباليستية، أي في غضون بضعة أشهر من توقيعها للاتفاق النووي، ما يعد خرقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي. وفي ديسمبر الفائت؛ أطلقت سفينة عسكرية إيرانية الصواريخ بالقرب من سفينة أمريكية وفرقاطة فرنسية تعبر مياه دولية. وعلاوةً على هذين الحدثين؛ أوردت المقالة أنه و»منذ أن تمَّ توقيع الاتفاق النووي؛ دافع القائد الأعلى الإيراني الخميني باستماتة عن الشعار الذي تردده إيران والذي ينادي بالموت لأمريكا». وشدد الوزير على أن المملكة لن تسمح لإيران ب «العبث بأمننا أو بأمن حلفائنا، حيث سنتصدى لكل المحاولات التي تسعى للعبث به وتهديده». واتهم النظام الإيراني بالكذب السافر من خلال توجيه «الإساءات والإهانة لكافة السعوديين بالقول إن موطني – موطن الحرمين الشريفين- يقوم بغسل أدمغة الشعوب ويعمل على نشر التطرُّف». وعقد عدداً من المقارنات بقوله «لسنا نحن الدولة التي وُصِفَت بأنها الراعية للإرهاب، بل هي إيران، ولسنا نحن من يخضع لعقوبات دولية بسبب دعم الإرهاب، وإنما هي إيران، ولسنا نحن الدولة التي يندرج أسماء مسؤوليها ضمن قوائم الإرهاب، بل هي إيران، لا يوجد لدينا عميل صدر بحقه حكم محكمة نيويورك الفيدرالية بالسجن 25 عاماً لضلوعه في التدبير لعملية اغتيال سفير لدى واشنطن عام 2011، بل هي إيران». وأكد أن «المملكة ضحيةٌ للإرهاب وللعمليات التي يقوم بها في الغالب حلفاء إيران، فدولتنا هي خط الدفاع الأول لمحاربة الإرهاب، وتعمل على مواجهته بالعمل الوثيق مع حلفائنا»، لافتاً إلى قيامها بعمليات اعتقال لآلاف المتورطين في أعمال إرهابية، وتنفيذها القصاص في المئات منهم، مبيِّناً «نحن مستمرون في محاربتنا للإرهاب، فها هي المملكة تقود جهوداً متعددة الجنسيات لملاحقة كل من يتورط في نشاطات إرهابية ومن يقوم بتمويلها وكل من يتبنى الفكر الذي يحرض على الإرهاب». لكن السؤال الحقيقي، وفقاً للجبير، هو «ما إذا كانت إيران تريد العمل وفقاً لقوانين الأنظمة الدولية، أو تريد أن تبقى دولةً ثوريةً تسعى للتوسع والاستخفاف بالقانون الدولي». وخلُص إلى القول «في نهاية المطاف، نريد منها أن تعمل على معالجة المشكلات بما يمكِّن الشعوب من العيش بسلام، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب حدوث تغييرات كبيرة في سياسة إيران ونهجها، وهو أمر ما زلنا في انتظار حدوثه».