من دخل رحلة الفشل الكلوي دلف إلى نفق لانهاية له إلا بزرع الكلية أو تطور طبي جديد نفاجأ به على غير موعد. الأمراض ليست نوعا واحدا؛ فمرض لا يحتاج لعلاج مثل الرشح. وثانٍ يحتاج للعلاج بالدواء أو مشرط الجراح والليزر فيزول ونتعافى، مثل التهاب القصبات والخراج والماء البيضاء في العين. الأول بالأرثرميسين والثاني بضربة مبضع فيتدفق القيح خارجا، والثالث استبدال عدسة مغبشة بأخرى نقية خلف الحدقة. وثالث يضربنا فنئن تحت وطأته سنوات مثل السكري وفشل الكلية وباركنسون. ومرضى يولدون مشوهين بالمنغولية وفقر الدم المنجلي وعمى الألوان والبهق والبرص. وآخرون يختمون حياتهم بأمراض عجيبة من العته الشيخوخي والزهايمر؛ فلا يعلم من بعد علم شيئا. وأناس يطوقون بقدر السرطان الذي يفترسنا على مهل وبمتعة ونحن نصرخ ألما ويأسا. والسرطان لا ذمة له ولا موعد ولا إعلان ويمكن أن يبدأ التمرد من خلية واحدة فيجتاح كل الجسم. قالت لي طبيبة سعودية ونحن قادمان من شمال أمريكا يوما والدها أصيب بسرطان البروستات فلما عرف الحقيقة سكت حتى مات. من أعجب عجائب السرطان أنه يعلن التمرد على الموت؛ فلو أخذت خلية سرطانية من مزرعة سرطانية فسقيت وغذيت عاشت ومات صاحبها بالهجوم. مرض السكر ومرض الفشل الكلوي يشبه كل صاحبه من جهة. وكلا المرضين متداخلان فمرضى السكري يدخلون في شعاب هذا المرض الوبيل. من دخل بوابة الفشل الكلوي لا يستوعب الصدمة، ولا يصدق أن عليه واجبا أسبوعيا من الغسيل الكلوي مثنى وثلاث ورباع. جاءني مريض فلسطيني دخل المستشفى ثم هرب لم يصدق أن أمامه عملية جراحية. التقيت بابنه لاحقا سألته عنه قال توفي رحمه الله. نبدأ الغسيل عادة بإدخال قسطرة إلى وريد كبير في الرقبة أو الفخذ حسب التيسير ثم نتحول إلى مخالفة جسيمة لقواعد بناء الجسم وهو ما أطلق عليها الزواج غير الشرعي بين الوريد والشريان. وبين القسطرة والفستولا كما نسميها نراوح في العديد من المحاولات وتكرار العمليات وانتهاء باستنفاد كل الأوردة، ثم استخدام الشرايين الصناعية، ويلحقها مشكلات من انسداد ونزف والتهاب وانفجار أم دم قد تودي بحياة المريض. إنها رحلة عناء وصبر ومصابرة وارتباط بماكينة الغسيل ولكن بدونها يودع صاحبها الحياة في أسابيع غارقا بأدرانه فمرحى لماكينة الغسيل ورحم الله من اخترعها وكان خلف من كتب الله له مزيدا من العمر.