إن للفراق آلامه وأوجاعه التي تفتت الأكباد وتقطع نياط القلوب وتبعث من الأسى والحزن معاني ولهٍ وشجنٍ كثيرة يعيش الإنسان في داخلها متغلغلا بين طياتها تأخذه الذكرى إلى فحواها البعيد وتمر المشاهد في مخيلته وكأنها الرحى التي تطحن حبات الغلال بعدما تنزل بها من على ربوتها السامقة في أحضان السنبلة أو كومضات ضحى تبعث بالحنين والأمل والإشراق من جديد عساه أن يلتقي بمن فرّقته وغرّبته الأقدار عنه ثانيةً، والمكتوي بالبين على أحواله تلك كالمستغيث من الرمضاء بالنار فهو في ألم وولع على الدوام وذلك لأن انتظار الإشراق الذي ينبثق من رحم الظلام أشد إيلاماً من معايشة الظلام نفسه، وهو ما يدلل على أن في الانتظار مشقة وعناء للكائن البشري الذي تألم كثيراً بين ويلات الفراق ومعاناة الوقوف على أعتاب الرجاء مؤملاً أن يتحقق ما يصبو إليه من لقاء بمن تعلقت به روحه ولكن الإحساس بالغربة والوحشة قاتل يسحق الآمال ويودي بها تحت أقدامه.. وجهها الموصود أودى كل شيء عندها قد توارى خلفها، وجه البراءة مثل ومضات الضحى، قد توارى خلفها بين طاحون الرحى قد توارى في قتامٍ وانتهى، يا فلذة الأكباد حالت واستحالت عندنا، مرثية بوابة الجلمود حين أسدلت الستار، حين غيّبت النهار بين طيات السديم ويوم أرعد في طرائق ليلها، من هول أنّات الصدام في شرارات اصطدام بين أفكار النهى وأدارت الرياح السافيات من جديدٍ وجهها، منكوبة القلب الحزين على أماني عمرها، مرت الأيام مثل حُلمٍ في خيالي قد لهى، بلغت رؤاه معالم في المنتهى، مرت الأيام والأحلام وأفاضت حنقها، نزفت مدامع عينها، وحالت البوابة السوداء بيننا يا أحبتي الصغار فشعرت بالدوار، وأثارت السماء فوقنا عواصف الغبار واستحال يومها العناق، بلوعة للبين لا يطاق، وتجاذبنا أطراف الحديث بنظرة البكاء من حزنه العميق، من تحشرج الشهيق، وقد تقطّعت نياط قلبي المكلوم حين مال صوبها وأُسدل الستار، وحال بيننا وبين ومضة النهار واعترى الرغام فوق إشراق الصباح، واستباح بالفراقِ أرضها.