هذا الدهر منذ الأمد والى الأبد بقدر ما يوشح قلوبنا باخضرار المحبة والألفة واللقاء، وسرعان ما يخضب مشاعرنا بلوعة الفراق ومرارة الأحزان. قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) كلنا يؤمن أن الموت حق وأنه هادم اللذات ومفرق الجماعات، سنة الله في خلقه على هذا الكون، فالدوام لوجه الله تعالى حيث قال: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام). في مساء يوم الخميس وبزوغ أول ساعة الجمعة سلّمت روحك الطاهرة لبارئها وأخذتك يد الحق وأنت في أول شبابك، فأسدل الحزن ستاره وغشي الفيء غمامه من الألم والحسرة بفقدك يا سلمان، فقدناك في لحظة لم تكن في الحسبان يوماً ما، بل كنا ننتظر عودتك لبيتك مثل كل يوم، فهذا الحق يأتي بلا مقدمات ليأخذك بعيداً عنا. كنت أول بهجة في عمرك، تعهدك منذ ولادتك بالرعاية والاهتمام، طاف في خاطري شريط الذكريات منذ صرختك الأولى ثم أول خطواتك وكلماتك حتى شبّ عودك وخرجت عن الطود. نظرت فيك مستقبلي القريب وأحلامي البعيدة وقوتي التي بدأت تضعف بي وتقوى فيك لأعقد فيك الآمال الصعبة المنال. خلفت لي من بعدك إرث الحزن الذي تلبس فؤادي بعد رحيلك ولا نقول إلا الحمد لله وإنا لله وانا اليه راجعون، اللهم لا تحرمني أجر المصيبة واخلف لي خيراً منها، أسأل الله العظيم ان تكون حرزاً لوالديك من النار. عزائي وما يخفف عني لوعة فراقك يا سلمان انك نشأت في طاعة الله محافظاً على صلواتك مطيعاً لوالديك خادماً للبعيد والقريب، حملت قلباً بريئاً ينبض بالحياء حتى أصبح حياؤك صفة عرفت بها. مقعدك يا ولدي في بيت الله يرثيك، أسأل الله أن يكون شاهداً لك عند الله، ذكراك الطيبة خلفتها في قلوب أهلك ومحبيك لن تنسينا سنوات عمرك القصيرة معنا، ألهمني الله ووالدتك الصبر والسلوان وبارك لنا في اخوتك من بعدك، أحسبك عند الله شهيداً أنت ومن مات معك من رفاق عمرك، أسأل الله العظيم كما جمعكم في الدنيا على خير أن تكونوا في عليين على سرر متقابلين وروح وريحان وجنة نعيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مجلس القضاء الأعلى