عندما نتحدث عن مفهوم الوحدة الوطنية فهو يعني تماسك المجتمع بجميع أطيافه الفكرية والمذهبية وأن نسيجه المجتمعي متجانس وقوي. في بداية تأسيس هذه الدولة المباركة على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه سعى جاهداً لتأسيس وطن موحد ينتمي جل أفراده تحت راية واحدة وملك واحد، وكانت وطنية الملك عبدالعزيز المنفتحة على العالم أنموذجا لشعبه، فهو الذي سبق شعبه باهتمامه بالوطنية والسعي في تحقيق هذا المطلب المهم، لذلك عمل جاداً لغرس هذا المفهوم في نفوس الجميع برغم قلة الإمكانات المادية والتكنولوجية والفكرية، وبرغم ضعف التعليم أيضاً، وكان المؤسس طيب الله ثراه يُدرك تمام الإدراك أن بناء الدولة يحتاج إلى مقومات رئيسة لتوطين ذلك البناء أهمها: الوحدة الوطنية بشكل يكرس الهوية الدينية للدولة حيث أصبح هذا المبدأ لاحقاً جزءاً لا يتجزأ من مشروعه التأسيسي، ونجح في مشروعه الذي امتد عشرات السنين، وجاء من بعده أبناؤه الملوك وساروا على نهج والدهم في قضية المواطنة والوحدة والوطنية فتشكل مجتمع مترابط من الشرق إلى الغرب ومن الشمال حتى الجنوب. ما نحن بصدده في هذا المقال ما صدر قبل أمس من وزارة الخارجية السعودية بإعلان قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران بعد قيامها بحرق سفارتنا في طهران عن طريق أتباعها المؤجرين، وجاء رد المملكة قوياً وحازماً في هذا الشأن وهو رد جزء كبير لكرامة هذا الوطن ومجتمعه من العبث الإيراني المستمر عن طريق التهديدات التي يطلقونها جزافاً وفي كل وقت خاصة أنها تريد تقويض وحدتنا الوطنية وهدم السلم الاجتماعي الذي تنعم به المملكة منذ توحيدها وحتى الآن، التصرفات الغريبة من إيران في تدخلها بشؤون المملكة الداخلية إنما يدلل ذلك على ضيق أفقها ورغبتها في تأجيج الطائفية عن طريق إخواننا الشيعة في المنطقة الشرقية متناسية أن أبناء هذا الوطن لا يمكن أن يزايدوا على وطنهم مهما كانت الإغراءات، فلذلك لم تجد إيران مناصرين لها داخل المملكة وضاق بها الأفق من هذا الاصطفاف المجتمعي الكبير من دول العالم، نعم هناك قلة قليلة تريد إثارة الفوضى سواء من السنة أو الشيعة ولكن العدالة في انتظارهم لردعهم كغيرهم إذا أقدموا على أي تخريب أو انتموا إلى جهة معادية للدولة. التصرفات الإيرانية كانت مسبوقة منذ عشرات السنين ولم يكن ذلك الاعتداء هو الأول من نوعه وإنما حدثت اعتداءات سابقة على سفارات دول كبيرة مثل روسيا والولايات المتحدةالأمريكية، وغيرها من الدول ظانة بذلك أن هذه التصرفات قد تكسبها مكاسب كبيرة، وكان رهانها على هذا الموضوع رهانا خاسرا، لأنها لم تقس ذلك بمقياس ذكي إنما كان بمقياس الزمن الماضي، وهذا ما يعني بأن إيران لا تحترم البعثات الديبلوماسية عكس المواثيق الدولية، لذا لم يجد اعتذارها يوم أمس في مجلس الأمن من المملكة أي قيمة، فالأمور تغيرت وموازين القوى تبدلت وكان من الضروري أن يكون رد المملكة سريعاً وقاسياً، والأمر الأهم أن إيران أضرت كثيراً بالسعوديين الشيعة الذين يسافرون لها لأن السفارة كانت في خدمة أغلب أولئك المواطنين وحرمتهم الآن من السفر إليها بسبب تعنتها وتصرفها، كما أن الدولة اتبعت ذلك القرار بقطع التواصل التجاري والملاحة بين البلدين ماعدا من أراد الحج والعمرة فهو مرحب به إذا طبق تعليمات المملكة التي تسري على الجميع كائنا من كان، وتأييدا للمملكة قامت بعض الدول العربية بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع إيران دون أن تطلب منهم المملكة ذلك مثل البحرين والسودان ودولة الإمارات التي خففت من تمثيلها الديبلوماسي هناك، وجائز أن تنضم دول أخرى تضامنا مع سياسة المملكة ضد إيران. الدرس السعودي الصادم لإيران يحتاج من المجتمع بجميع أطيافه المذهبية والفكرية أن يكون يداً واحدةً مع هذا القرار ويكون الساعد الأول في عدم السماح للفكر السياسي الإيراني المتشدد والمتعنت بالتغلغل في أوطاننا، ويجب أن نكون له بالمرصاد ونصد كل الهجمات الموجهة ضدنا سواء عبر الإعلام أو غيره وبهذا سوف نحجم الغطرسة الإيرانية واستمرارها بالتدخل في شؤون غيرها. وختاما نتطلع كسعوديين مواطنين ودولة لأن يعم السلام والاستقرار في المنطقة لكن تاريخ المملكة وموقعها ومسؤولياتها التاريخية والعربية لم تكن تسمح لأن تترك إيران بطموحاتها المذهبية والطائفية أن تعبث بالمنطقة وتُغير موازين القوى وتهدد النظام السياسي والاجتماعي العربي، لذلك كان لا بد من هذا الموقف، وفي تقديري أن الموقف يستدعي بشكل جاد أن نستشعر جميعا أن موقف بلادنا المشرف بحاجة لعمق شعبي في مستوى تأثيره ونتائجه.