قد يكون الفأل «عَصيّاً» ولا يأتي إلا بالتي هي: «أخشن» لكن:«المواطن» أثبت وبكلّ جدارةٍ أنّه ليس: «عاصياً» فاستقبل: «الميزانية» بصدرٍ واسعٍ وبجيبٍ «ضّيق» ذلك أنّ المتفائلين هم: «القوم» الذين يُحسنون ربط الأحزمة في الملمّات تأهباً لأيّ تحوّلٍ يأخذنا -معه- من ضيق «الحاضر» إلى سعةِ «المستقبل» وخيره. فَمَن كان منكم: «متفائلاً» فليُبشر ب«الخير» ولو بعد حين. الميزانيةُ – يا سادة – تُشبه القمر فهي مثله في «دورته» الفلكية و لقد أشبهته كثيراّ سيان أكان «هلالاً» أم: «بدراً» ذلك أنّ «الميزانية» أيّا تكن أحوالها (إيرادات/ وصادرات) فإنها تمتلك مثل: «القمر» وجهين ومن أجل هذا فإنّ المنطق يقتضي أن الاستمتاع ب: «طلّته» مشروطٌ بالصبر على وجهه الآخر. كذلك الشأن ب: «القرش» فإنه وجهان أبيض وأسود ومما حفظنه عن أجدادنا: «غب قرشك الأبيض ليومك الأسود» جنّب الله البلاد والعباد من السواد. وفي زمنٍ تولّى تصالح قوم ب«الحبِّ» مع «الكوليرا» فصحّت أجسامهم من كلّ العِلل، وطفقوا يستقبلون كلّ علةٍ/ مرضٍ بمناعةٍ مدهشة، إذ ينهزم في مقابلها أي مرضٍ مهما كان مستعصياً وسنأتي اليومَ على إثرهم فنعلن التصالح ب:(التفاؤل) مع «الميزانية» وعجزها «ثمّ يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يُغاث الناس..» وسيعلم الذين تفاءلوا أيّ منقلبٍ ينقلبون. عند إعلان كلّ: «ميزانيةٍ» من كل عامٍ أتأملُ – تلقائياً – الآيات – من الذكر الحكيم – في ذكرها ل: «الإسراف والمسرفين» ثمّ لا ألبث أن أُفكّر بصوتٍ مرتفعٍ ليسمعني كل من حولي فأتكلم على هذا النحو المتدفّق: لا مشاحة في أنّ «الإسراف» في النفقات ليس من فقهيات معاني :«التوسّط» بل هو حالةٌ نهى عنها الشارع إذ عدّها تطرفاً ورتّب عليها الإضرار إذ ألحقها -أي حالة الإسراف في النفقات – بأسباب الفساد في الأرض، بل اعتبرها من أولياته فجاءت آيات القرآن العظيم على هذا النحو: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُون (152) ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين﴾ وقد عرّف ابن عاشور الإسراف مرةً بأنّه: «تجاوز الكافي من إرضاء النفس بالشيء المشتهى» وعرفه مرةً أخرى بأنّه: «تجاوز الحد المتعارف عليه في الشيء». وبأيّة حالٍ.. فإنّ التبذير هو عمل «المسرفين» وإنّ من أشد صور الإسراف تبذير الأموال – والطاقات – في وجوه الفساد والقرآن الكريم هو مَن وكّد على هذه المعاني إذ قال تعالى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27). ولئن كان في «الإسراف» غيٌّ فإن الرشد يكمن في التوسط وهو ما عبّر عنه القرآن ب: «قواما» ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾. وليس بخافٍ أنّ القرآن توجّه في الخطاب – بادي الأمر – إلى الجماعة (الأمة) بصفتها المعنوية ليؤكد المبدأ الأساسي الذي تنهض عليه دلالات التكليف إذ تناط أولاً ب:«الأمة»، ومن هنا كان الإثم يلحق الأمة كما يلحق: «الفرد»، فالخطاب إذن يتوجّه لمن كان بيده سياسة هذه: «الأمة» على نحوٍ يحفظ لها كريم معاشاتها. ورحم الله الحسن البصري فهو مَن قد علّمنا أنّ من: «أعزّ الدرهم فقد أذلّه» ويُمكنك أن تُقابل كلامه بقول أحد المعاصرين من الموسرين -غناءً- وعقب أن أنصت لتفاصيل «الميزانية» أدار يده على كرشه ثم تجشأ وراح يقول: «يكفي دلع»! وما علم هذا الجشع أنّ الحكومة إذ تدلّع: «مواطنيها» فهي تفعل ذلك حال رخاءٍ بعد محبةٍ ما بينها وبين مواطنيها، أويلام: «أبُ» إذ يُدلع أفراد أسرته؟! وحيثما ما كنت: «الميزانية» فثّم خير قادم ولكنكم قوم تستعجلون. بقية القول: التذكير بأنّ: «الأمن» لا يعدله شيءٌ فما جدوى الظفر ب: «الخبز» وأنت لا تملك مكاناً آمنا يمكن أن تقضم فيه طرف الخبزة ولنا فيمن هو في الجوار أكبر عظة وعبرة.