كان يُخَيَّل إلي دوماً بأن ديسمبر هو الشاب الّذي لَن يعتريه المشيب، بأنه الفرح الّذي لن يُلامسه الحُزن، الخير الّذي لن يقترب مِنه الشَّر.. قد يُصاب بِوعكة صحيّة إثر أجوائه الباردة ولكنهُ سيبقى سليماً مُعافى مِن العلل.. حتّى انكسرت قدماه وسقطَ مغشياً عليه ولم ينهض حتّى الآن! حتى كتب لنا الطبيب تقريراً أشاد فيه بأنه لن يعاود المشي إلاّ بالاتكاء على عكاز خشبي.. ديسمبر.. الّذي أنتظرهُ فِي كُل عام لِأجدد مِن ميلادي فِيه الرُّوح والحياة، جاء هذا العام لِيلبسني عِوضاً عن روح الشباب آلام المشيب وليرسم على شعري خط الشّعرة البيضاء.. جاء وفِي جيبه رسالة عتيقة كُتبت على جلد الغزال: «أيّها العزيز، يا ابن ديسمبر .. يا ابن أكثر الشهور انخفاضاً لِلحرارة.. بعد التحية الطيبة لكَ ولِمواليد الشهور الأخرى، نود إفادتك بِالتالي؛ بأن معنى الميلاد لا يأتي بِتجدد ذكرى الميلاد فِي كُل عام بل بِتجدد اجتماع أحبابك فِيه، وأن الفرحة الحقيقة ليست فِي قطع الكيك ولا ألوان البالون بل بأن تجد مَن كان فرحاً فِي يوم ولادتك ومستهلاً بِقدومك حاضراً اليوم هُنا، هو وكُل أحبابك الّذين صادفتك فيهم الأيام، وبأن كُل يوم يمكن أن يكون ميلاداً جديداً إذا استيقظت وفي كفك روح مُقبلة على الحياة، وأن الفرحة لا تولد إلا مِن رحم اللقاء.. فهل مِن فرحة وُلِدَت مِن رحم الفراق العقيم؟ عذراً أيّها العزيز، فأي ميلادٍ تترقبهُ فِي هذهِ الأجواء الغائمة؟ وأي شمسٍ ترتجي دفئها فِي غيابهم؟ والميلاد وجودهم والفرحة تهنئتهم ورسائلهم.. عذراً فلم تمتلك حظاً واسعاً هذا العام وكان حظّك أوفر. نتمنى أن تكتب لكَ الأيام المقبلة ميلاداً سعيداً بِعودة من ترجو لِقاءه، وشفاء من تتمنى سلامته، وضحكة من اغتميت لِحزنه «تحياتي.. ديسمبر ذو الشعرة البيضاء».