لقد ارتأيت «أن لا أطير في العجة» كما يقال، لأن من يطير في العجة على أقل تقدير، قد لا يُرى جودة تحليقه، وقد يعود على عقبيه منكسر الجناحين، للكتابة ثانيةعن أزمة الفكر، نظرا لحصرها على الإسكان. سأقف عند «حديث مجلس» شهدت أحداثه عندما كان هناك نقاش حول «قضية ما» وتحدث أحد الحاضرين قائلا: إن فلانا من الناس «مُؤجر الدور الثاني»، استغربت بشدة لكون تلك العبارة «ناشز» ولا تتسق مع السالفة «مناط الحديث»، وتساءلت ببساطة وما علاقة ما يدور بمجلسنا هذا بمنزل صاحبنا؟ وماهي الأهمية في أن يسكن الدور الأرضي أو الثاني طالما أن «الحلال حلاله»، حتى لو كان مسكنه السطوح!! لم يطُل استغرابي عندما قاطعني المُتكلم وقال: عليك أن تُحَدث «جهازك المعرفي – الاجتماعي»، فأنت مازلت على النسخة القديمة، ثم استدرك قائلا تأجير الدور الثاني يعني «في القاموس المحلي» ضحالة وسطحية الفكر أو عدمه «خلقة أو عنوة». هنا عدت مباشرة لتأصيل مثل ذلك الطرح علمياً، من خلال ما يُعرف بالتفسير العصبي-المعرفي «Cognitive Neuroscience» لظاهرة «تأجير الدور الثاني». تتوضع العواطف والسلوكيات البدائية وغير الناضجة فيما يُعرف بالجهاز الحوفي «Limbic System» للدماغ البشري، ولعله ما يطلق عليه في القاموس المحلي «بالدور الأرضي»، تتصل مجموعة هذه الوظائف «العاطفية والسلوكية غير الناضجة» مباشرة بالفص الجبهي «Frontal Lobe» الذي به الدماغ «المُدرك – الواعي» ليُهذب تلك العواطف والسلوك لتصبح ذات معنى تليق بإنسانية الإنسان، وتنتج في النهاية «فكرا راقيا». وعليه فإن من يُؤجر دوره الثاني فليس له الحق في سكناه، وهذا شأن الدماغ المُدرك – الواعي، من يؤجره فعليه البقاء في جهازه الحوفي بما يحوي من نزوات وعواطف ورغبات وسلوكيات بدائية!! فكم نحن بحاجهةلإخلاء الأدوار الثانية من المستأجرين وننعم بسكناها، لنعيش بفكر راق يليق بنا كبشر.