بلا شك صوت كل أمة أدباؤها ومثقفوها، وهم نبض فكرها بما ينتجونه ويبدعونه لثقافة الأمة، وما تنجم عنه حواراتهم ونقاشاتهم الفكرية، وما يطرح من أفكار ورؤى، إنما هو مرآة لحراك كل عطاء ونتاج فكري تتمثل به كل أمة. وإذا كان المفكرون هم عقل الأمة، فإن سجل تاريخها الكتب. الظاهرة الغريبة التي لاحظناها، أن كثيراً من الحوارات وتبادل الآراء، بين المتحاورين من المثقفين، لا يرقى لأخلاقيات النخبة المثقفة سواء على مستوى الإعلام أو الحوار عبر مختلف القنوات؛ حيث أخذت تتصاعد لغة الحوار والتنابذ بالألقاب وتبادل الاتهامات، مما يوحي بظاهرة تعرف بالعنف الفكري أو الثقافي؛ حيث يمارس البعض أساليب القمع الفكري والعنف الثقافي في التواصل والحوار مع من يختلفون معهم. وتتبدى ظواهر هذا العنف في قضايا سوء الفهم وسوء الظن، ومصادرة آراء الآخرين وتأويلها. وهذا مما يعاب على حوارات قنوات التواصل، بما يثير الكراهية، والمشاحنة. هناك فئة من المثقفين نأمل أن تكون نسبتهم قليلة ترفض التعددية الفكرية، وتحمِّل المعاني ما لا تحتمل، وتهوى إشاعة العنف في طرح الرأي، وإثارة الآخرين بالآراء المستفزة. في احتفالية صالون الأديب الأستاذ عبدالمقصود خوجة (الإثنينية) – التي نأمل عودتها بشفاء مؤسسها الأستاذ الخوجة متعه الله بالصحة والعافية – في تلك الليلة التي كُرّم فيها الدكتور محمد عبدالرحيم كافود وزير التربية والتعليم العالي السابق في دولة قطر، أثيرت عديد من المواضيع التي تتعلق بالأوضاع الثقافية في الخليج، وما آلت إليه حال كثير من المثقفين الذين لوحظ غيابهم، وتقاعسهم عن دورهم المهم في الإصلاح والشفافية، في هذا الوقت العصيب، أوضح الدكتور كافود، أن من أبرز تداعيات الأحداث التي هزت المنطقة وأحدثت تغييراً جذرياً في أنظمتها والتوجهات الشعبية فيها، ما أفرزته الصراعات الفكرية والثقافية، بين المثقفين نتيجة الخلل الذي أصاب المنظومة الثقافية في منطقة الخليج؛ حيث لم يتم التوفيق بالتوحد في خطاب ثقافي مشترك، يدعو ويتبنى ما يجب التمسك به كمبادئ لما نعتبره من الأسس والثوابت. وأشار الدكتور كافود، إلى أن أمريكا وأوروبا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، عادت لقيمها الثقافية، واحتكمت إليها في جميع المناهج، وكان الأدعى بدول الخليج أن تعي ضرورة أن يتجه مفكروها ونخبها الثقافية لإعادة النظر في منظومتها الثقافية ومؤسساتها التعليمية والتربوية والإعلامية، كما تعجب من أن مؤسسات وأجهزة مجلس التعاون الخليجي لم تستطع على مدى أكثر من ثلاثين عاما، تكوين قاعدة مشتركة بين أبناء الخليج لا من حيث البنية الاجتماعية والخلفية الثقافية، في بناء مجتمع خليجي موحد. بل إن ما هو ملاحظ ويؤسف له أن الثقافة الخليجية تتسم بالضبابية، وكان يكفي هذه الهيئات، أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي في أخذ النماذج المثالية كمجتمع واحد وكتلة مشتركة ثقافياً واقتصادياً وفكرياً، ولا غرابة إن كنا نقدم على تطبيق النموذج كاملا، بما لا يتعارض مع الأسس والثوابت.