عندما نكوّن فكرة سيئة عن شخص ما، تصبح الفكرة صفة حالة له. يعمل هذا الشخص جاهداً على الخروج منها، فيبدل ملامح وجهه ويتمثل قناعاً يواجه به الناس. ويتجمل بأفعال لم يألفها. ربما يسرف في التدين، وربما يسرف في الحياة المملوءة بالصخب. كل هذا ليدرأ عن نفسه نظرة الناس الدونيه، ويلغي الأحكام المدمغة التي طالما تعذب بها. ولا يعود يملك إلا الأفكار والخيال الفقير بأنه وكل الناس عبيد لرأي الغير، وبأنهم مربوطون برسن من رقابهم هو كلام الغير عنهم. سرعان ما يدب اليأس القاتل إلى نفسه ويثقل قلبه من التعاسة، بل وقد يكره نفسه من يقينه أن الناس يستحيل أن يروه بصورة أفضل، ويحزن ألّا أحد يرى أعماقه الطاهرة التي ظلت تندثر تحت قشور يرتديها، ويزيد من الشعور الشديد بالظلم كونه عوقب على ذنبٍ ما اقترفه في زمن مضى أو في لحظة غير مسؤولة ثم تاب عنه. ذلك الشعور يجعله ناقماً على كل شيء، ويستسلم أخيراً للغربة. في الحقيقة إنّ حالة الخيبة المحتمة التي هو فيها ليس الناس من أوصلوه إليها، ولكن هو من أوصل نفسه إلى الإحباط حين سمح أن تعتريه الأماني الساذجة، وأن تغرر به الآمال الواهية بأن الناس قد تنسى. الإنسان إن سعى إلى نيل رضا الناس فإنه يحكم على نفسه بالرياء والنفاق. هو الوحيد القادر على انتشال نفسه مما زجها فيها من محنٍ. مشوار التغيير يتمثل في العودة بنية صادقة للتوبة، قاصداً وجه الله وحده لا وجوه البشر. هذا القرار الحاسم يقيه بالتأكيد شرور التردي لتغيير مجرد فكرة. “إذا استقبلت العالم بالنفس الواسعة رأيت حقائق السرور تزيد وتتسع، وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وأدركت أن دنياك إن ضاقت فأنت الضيق لا هي” (مصطفى صادق الرافعي).