أشادت الناقدة والأكاديمية بجامعة الطائف مستورة العُرابي بالمحتوى الرقمي ومستوى الخدمات التي تقدمها التقنية الرقمية للمبدعين والأدباء خلال محاضرة ألقتها مساء الثلاثاء الماضي بعنوان (أدب الميديا بين غواية الإبداع والتلقي) بالنادي الأدبي الثقافي بمنطقة تبوك. حيث بدأت محاضرتها بالحديث عن أساليب التواصل الكلاسيكية عبر مراحل الأدب وقالت إن تاريخ الأدب العربي يمتلك حيلا وأساليبًا ذكية في التواصل والتفاعل مع المتلقي كطريقة الزيّ والسيطرة على مشاعر المتلقي بحسن الإلقاء وتأثير إيقاع القصيدة القديمة ودورها في انتقال رحلة الشعر وبقائه في الذاكرة الجمعية، وتطرقت العرابي للتجربة الإبداعية من خلال ما يشهده عالم الميديا من تطور نقل المبدع من عزلة الاحتكار والنخبوية إلى فضاء التفاعلية الرحبة. واستشهدت العُرابي بالتطور التقني الذي خدم الأدب والإبداع عند الغربيين، وإفادتهم من الفنون البصرية والموسيقية والتشكيلية وأشكال الجرافيك وغيرها في خدمة المنجز الإبداعي لديهم، ثم وقفت على إفادة الأدباء السعوديين من المنجز التقني وإن كان كما ترى لا يزال يسير باحتشام، وأرجعت ذلك إلى علاقتنا مع التقنية وعدم الجرأة في التفاعل مع غير المألوف، وألقت باللوم على الجامعات التي لم تقم بتدريسه باعتباره مطلبًا حضاريًّا بامتياز. وفي المحور المرتبط بعنوان المحاضرة بيّنت العرابي فيه أثر العولمة والفيضان التقني على الإبداع عموما وعلى الأدب خاصة تشكيلا ورؤية سواء أكان في آليات الإبداع أم التلقي أم في خلق أجناس إبداعية جديدة؟ بعد أن أوضحت المقصود بأدب الميديا و قارنت بين نص الميديا والنص الورقي الذي مر بمصافي النشر وليس بالاستطاعة الحذف منه أو الزيادة فيه. وذكرت أبرز صور التفاعل على الميديا عند الأدباء السعوديين كالومضة الشعرية والقصة القصيرة جدا على موقع تويتر، ومجموعة القصة العربية على الواتسآب التي يديرها القاص جبير المليحان. كما أشارت إلى النشاطات الأدبية على هذه المواقع كالهاشتاقات الأدبية وحسابات الأدباء والمتخصصين في الجانب الإبداعي وبيت المثقفين العرب وكرسي الأدب وعالم الرواية وموقع القصيدة كوم، مما يشير إلى الالتفات لأهمية التواصل الرقمي وضرورة التفاعل لخدمة المنجز الإبداعي. وفي جانب غواية التلقي من المحاضرة استشهدت العرابي بقصيدة بعنوان "صحيفة الأقداس" للشاعر عبد الله ناجي منشورة على فضاء الفيس بوك مشيرة إلى أن المبدع لايلبث أن يغرد أو ينشر إبداعه حتى يجد صداه بشكل آني وفوري بين المتصفحين نقدًا ونقاشًا واستنطاقًا وتأويلا من النخبة المتخصصة ومن قراء عاديين وقد تختلف تعليقاتهم لاختلاف وجهات النظر وميولهم وتخصصاتهم وعرضت لطائفة من تعليقات مرتادي صفحة الشاعر ومدى تفاعلهم مع النص مشيرة إلى أن الشاعر لم يكن بمنأى عن نصه؛ بل كان طرفًا قويًّا في الحوار والنقاش والتفاعل الآنيّ. وختمت العُرابي المحاضرة بأن هذه المواقع أتاحت الفرصة للمواهب الشابة لنشر إبداعاتها في فضاء الميديا وتوجيهها للمسار الصحيح، وقالت: كما أن لهذه المواقع جوانب إيجابية إلا أن لها جانب سلبي يتمثل في ولادة شعراء وهميين وبروز طبقة من النقاد الوهميين الذين يهللون للوهم، ويجاملون على حساب الإبداع الحقيقي، وهذا من شأنه تشويه المشهد الإبداعي والخلط بين الجيد والردئ. وفي الختام تم فتح باب المداخلات التي أدارها نائب رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بمنطقة تبوك عبد الرحمن العكيمي، وتساءل في البداية الدكتور مسعد العطوي عما أحدثته التقنية من نقله في التواصل البشري، وهل ساهمت في دعم وتوجيه المبدع؟ حيث ردت العرابي بأن الأدب الرقمي هو أدب المستقبل الذي تخطى حدود المكان والزمان لينقلنا لعالم مختلف يستوجب منا التعامل معه بشيء من الفراسة والاستئناس وليس النفور بسبب الجهل التقني، وهو بالفعل قد نقل المبدع من حيز المكان إلى فضاء أوسع، وجعل من المنصات الإلكترونية منابر أدبية لا يستهان بها. ومن جانبه تساءل الشاعر محمد العطوي في مداخلة له عن التجربة السعودية في السوشل ميديا، مشيدا بعمق محاضرة الناقدة العرابي كما علق عبدالرحمن العكيمي نائب رئيس النادي بقوله تمنيت لو تطرقت المحاضرة في ورقتها الثرية إلى تجربة الإبداع في قنوات اليوتيوب وهي جزء من الميديا الإبداعية. قالت العرابي: أنه ورغم سير هذه التجربة بخطى خجولة إلا أن التجربة الفعلية التي من الممكن أن نقيس عليها مدى تأثير هذه الوسائل على الأدب هي تجربة الشاعر السعودي محمد حبيبي التي عرضت من خلال شاشة سينمائية في نادي جازان 2006م وكذلك مجموعته الرقمية المرئية "غواية المكان" التي عرضت للجمهور بنادي الشرقية، وعرضت كذلك في المركز الثقافي المصري في باريس 2009م ولاقت نجاحاً لافتاً وانتشارًا واسعًا عبر الفضاء الأزرق، ثم تلت ذلك مداخلات أخرى للشاعرة قسمة العمراني والدكتورة عائشة الحكمي التي أدارت المحاضرة في القسم النسائي بالنادي الأدبي.