أعلنت لجنة الانتخابات في ميانمار فوز حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية بالأغلبية النيابية رسمياً، في وقتٍ أبدت الأممالمتحدة أسفها لعدم تمكُّن مجتمعات الأقلية في هذا البلد خصوصاً الروهينجا المسلمين من التصويت والترشُّح. وأفادت لجنة الانتخابات بحصول «الرابطة القومية من أجل الديمقراطية»، وهو حزب معارض تترأسه أونج سان سو تشي، بالأغلبية ما يمنحه حق انتخاب مرشحٍ لرئاسة الدولة عندما ينعقد البرلمان الجديد العام المقبل. وكانت النتيجة متوقَّعة منذ إعلان المؤشرات الأوَّلية بمجرد انتهاء التصويت الأحد الماضي. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، هذا الانتصار تاريخياً في أول انتخابات ميانمارية حرة ونزيهة منذ 25 عاماً. ويطيح انتصار حزب سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بالحرس القديم في أجهزة الدولة المعتمد على العسكريين. ورغم مرور الانتخابات بسلامٍ إلى حد بعيد؛ ندَّد عددٌ من زعماء العالم بعدم قدرة نحو 4 ملايين شخص من الإدلاء بأصواتهم. وأبدى المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيانٍ له أسفاً «لعدم تمكن عددٍ كبيرٍ من الناخبين من مجتمعات الأقلية، خاصة الروهينجا (مسلمون)، من التصويت والترشح». ودعا المتحدث إلى «جعل الانتخابات في المستقبل شاملة بحق»، متحدثاً عن «عملٍ شاقٍ وكثيرٍ أمام رحلة ميانمار الديمقراطية». ووُجِّهَت انتقادات لزعيمة الحزب الفائز بالاقتراع نظراً لعدم انتقادها الانتهاكات التي يتعرض مسلمو الروهينجا لها؛ لذا ستكون قضيتهم أحد الملفات الشائكة أمام الحكومة الجديدة. وبعد ربع قرن من النضال؛ وصلت أونج سان سو تشي، التي ضحَّت بحياتها الخاصة، إلى أعتاب السلطة في ال 70 من عمرها. وتمكنت ابنة بطل استقلال ميانمار، الجنرال سان سو تشي، من النهوض بحزبها والفوز بثقة الناخبين بعد 5 أعوام على انتهاء إقامتها الجبرية في منزلها. ومن المناطق النائية في شمال العاصمة رانغون؛ جذبت حائزة نوبل للسلام الجموع من كل الأعمار. وباتت، بعد خمسة أيام على هذه الانتخابات التاريخية، على أعتاب تحقيق حلمها بأن يطوي بلدها نهائياً صفحة مجلس عسكري وضعها قيد الإقامة الجبرية ل 15 عاماً وقمع الناس طوال عقود. وفي تحد للقوانين التي يفرضها العسكريون؛ قالت سو تشي أمام الصحافة الدولية «سأترأس الحكومة إذا ما حققت فوزاً وسأكون فوق الرئيس الذي ينتخبه النواب». وهي لا تستطيع الوصول إلى الرئاسة نظراً لمنع الدستور الأشخاص الذين رُزِقوا بأبناء يحملون جنسية أجنبية من الوصول إلى هذا المنصب، علماً أن ابنَيها يحملان الجنسية البريطانية من زوجها المتوفَّى. وقبل أيام؛ وصفت سو تشي، خلال اجتماعٍ حاشدٍ في رانغون، الانتخابات ب «فرصة كبيرة لإحداث تغيير من أجل بلدنا.. إنه نوع من الفرص الذي لا يأتي إلا مرة أو مرتين في التاريخ». وبالنسبة لمواطنيها الذين واجهوا قسوة الحياة أيام المجلس العسكري الذي عزل بلدهم عن العالم؛ فإن هذه السيدة التي قادت المعارضة تجسد آمالهم في عودة الديمقراطية. وقال موظف متقاعد أثناء تجمعٍ معارض «لا يمكن أن نتغير إلا إذا قادتنا هذه المرأة». وشهد هذا البلد تغييرات كبيرة منذ بدء مرحلة الانفتاح في 2011. «لكن اثنين من العوامل الكبيرة لم يتغيرا، هما الهالة الآسرة لزعيمة المعارضة والتأثير الدائم للنخبة العسكرية»، كما قال الخبير السياسي نيكولاس فاريلي. ولاحظ فاريلي أن «عدداً كبيراً من الناخبين ينظرون إلى هذه السيدة باعتبارها الشخصية التي ستتصدى للاستبداد، وهم يتصورون أن المصير الديمقراطي الذي توقَّف في بداية التسعينيات بات في متناول اليد الآن». لكن تحوُّل زعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إلى امرأة تمارس السياسة وتدخل البرلمان في 2012 خلال انتخاباتٍ جزئية؛ أدى إلى تلويث سمعتها خصوصاً في الخارج باعتبارها رمزاً للنضال من أجل حقوق الإنسان. لكن يبدو أن واقعيتها تحملها على تجنب الخوض في مصير أقلية الروهينجا المسلمة المضطهدة. ويأخذ عليها البعض في حزبها ميولها الاستبدادية أيضاً والحد من الفرص المتاحة أمام الشبان. ولم يكن دخولها المعترك السياسي مبرمجاً؛ فبعد وفاة والدها الذي اغتيل في 1947 عندما كانت في الثانية من عمرها؛ أمضت الفترة الأولى من حياتها في منفى في الهند أولاً ثم في بريطانيا. وفي البداية؛ عاشت ربَّة منزلٍ نموذجية بعد زواجها من أستاذ جامعي متخصص في شؤون التيبت في جامعة أوكسفورد. وأسفر هذا الزواج عن صبيين صغيرين كانا سبباً فيما بعد في حرمانها من الترشح للرئاسة. ولدى عودتها إلى بلدها في إبريل 1988 للاهتمام بوالدتها المريضة؛ وصلت في خضمِّ الانتفاضة على المجلس العسكري الذي مارس القمع بقسوة، فقررت الانخراط في الحياة العامة. وقالت في أول خطابٍ ألقته في شويداجون في العام نفسه وشكَّل لحظة ولادة أسطورتها «لا أستطيع، بصفتي ابنة أبي، أن أبقى لا مبالية حيال كل ما يجري». وسُمِحَ لها بتأسيس الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، لكنها سرعان ما وُضِعَت تحت الإقامة الجبرية، وشهِدَت من بعيد فوز حزبها في انتخابات 1990 التي رفض العسكريون الاعتراف بنتائجها. وأمضت سو تشي سنوات الإقامة الجبرية في منزلها الذي كان على مقربةٍ من بحيرة في وسط رانغون؛ حيث سُمِحَ لعددٍ قليل جداً من الأشخاص بزيارتها، وأحيانا ابنيها اللذين بقيا يعيشان في بريطانيا مع والدهما. وتُوفِّي الوالد بمرض السرطان، دون أن تتمكن زوجته من الذهاب لوداعه، خشية ألا يُسمَح لها بالعودة. وفي 2010، أُفرِجَ عنها بعد 15 عاماً في الإقامة الجبرية أمضت سبعاً منها بصورة متواصلة، لكنها ما زالت تبدي تصميماً لا يلين في الكفاح في سبيل بلدها.