تحاورت مع عدد من المدربات في إحدى «القروبات» عن جدوى مقاطعة سلعة غذائية عند ارتفاع ثمنها دون مبرر، وكان سبب الحوار هو أن أحد محلات الحلوى الشهيرة عمد بين عشية وضحاها إلى رفع ثمن كيلو أحد الأصناف إلى 100 ريال، مما دفع بجماعة من المستهلكين إلى رفع شعار مقاطعة هذا الصنف على الرغم من جودته، لحين عودة قيمته إلى ما كان عليه.. دار الحوار حول عدم جدوى مقاطعة المنتوجات الوطنية وفداحة ضررها على الاقتصاد المحلي، وأن الحل ليس في مقاطعة الحلويات بل بالحرمان من مذاقها، لأن إعلان المقاطعة سوف يضر بسمعة التاجر، فيكون سببا في ركود حلواه، أما الحرمان من الحلاوة والبقلاوة فقد يحمي المواطن من داء السكر! والسؤال الآن هل يحق للمواطن الدخول في مقاطعة جماعية لسلعة محلية غير استهلاكية؟ وهل المقاطعة الجماعية تضر بالاقتصاد المحلي؟ قبل أن نحاول الإجابة على هذين السؤالين، لنعد إلى الوراء تتبعا لتاريخ «مقاطعة السلع في حياتنا الاقتصادية»، ومتى سمع أغلبنا كمواطنين عن فوائد المقاطعة الاقتصادية، ومدى هيمنتها على اقتصاد الدول المصدرة. لاشك أننا نتذكر ذلك الصدى القوي على المنتجات الدانماركية، عندما تهور أحد مواطني الدانمارك وتجرأ على مقام الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه برسم صور كاركاتيرية خبيثة. تلك المقاطعة كانت البذرة التي وجدت مناخا جيدا وتربة غنية، استطعنا من خلالها تفهم قوة هذا السلاح عندما لم تبادر وزارة التجارة بمنع استيراد صادرات تلك الدولة. بعد المقاطعة الشهيرة إياها أخذت تظهر، كفقاعات الصابون، مقاطعة تلو الأخرى، تارة مقاطعة شركة ألبان وتارة شركة اتصالات، مع العلم أنه لم تظهر للعيان تلك النتيجة الفتاكة حتى الآن، بل إن بعض تصريحات مسؤولي تلك الشركات بعد المقاطعات جاءت محبطة! مثال على ذلك إعلان مدير إحدى الشركات بالفم «المليان» في صحيفة مقروءة «أن المقاطعة لم تحرك فيهم شعرة واحدة»!! وصرح قائلا: «إن حجم مبيعات الشركة لم يتأثر بمقاطعة منتجاتها من قبل بعض المواطنين، الذين اعترضوا على رفع الأسعار في السعودية»! وكلمة «بعض» تفيد بأمرين: إما أن الذي لم يقاطع كان راضيا عن الوضع ومتفهما لمسألة رفعهم للأسعار، وإما أنه لا يعرف «كوعه من كرسوعه» وهو الأرجح عند تلك الشركة، التي قالتها مدوية: «بأنها ستلتزم بقرار وزير التجارة والصناعة المتعلقة بمنتجاته، وستعود الأسعارإلى ما كانت عليه في مطلع يوليو على الرغم من أن (مبررات) رفع السعر لاتزال قائمة»!! ولعل تصريحا محزنا كهذا سوف يقنع المواطن المستهلك، بأن وزارة التجارة مجحفة في حق الشركة، فيتعاطف معها ويشتري بالسعر الذي تطلبه من باب جبر الخواطر. تلك (المبررات) غير المعلنة هي التي دفعت تاجر الحلوى وغيره من التجار إلى رفع الأسعار دون موافقة وزارة التجارة، فهذا يقول إن مكونات منتجه باهظة الثمن، وآخر يقول بأنه يتصدق من مدخوله على اليتامى والأرامل، ولكي لا «نصبح نحن والزمن على التاجر»، علينا أن نعترف بأن ارتفاع الأسعار مشكلة عالمية وليست محلية، وهو وباء متفش في جميع دول العالم دون استثناء، ولكن كما أن لوزارة التجارة دورها في حماية الاقتصاد المحلي، فإن للمستهلك جيبا عليها أن تحميه أيضا. عندما قلت ذلك كان فصل الخطاب من إحدى المدربات: «الحلوى ليست سلعة استهلاكية، ومن لا يملك ثمنها لا يشتريها!» جواب مفحم ربما يسكت الفقير ويسعد الغني، ولكن هل وزارة التجارة موافقة على ذلك؟ والآن هل نقاطع أم لا؟ هناك بدائل متاحة غير إعلان المقاطعة، مثل عمل جدول شهري للسلع التي ارتفعت أسعارها، وجدول آخر يبين البدائل المتاحة ودعمها عن طريق الترويج لها مجانا، وذلك لتوجيه المستهلك إليها بدلا من أي سلعة زاد سعرها دون مبررات مقنعة أو بنسبة عالية. أعتقد نحن الآن (ما قاطعنا لكن نورنا).