بات الطلاق لفظا هينا على ألسنة كثيرٍ من الأزواج لأسبابٍ لا تليق بأناسٍ في أعمارهم، إن كانت عقولهم ترقى إلى أعمارهم، بل ولم يزعجهم هدم ذاك البيت المؤسس على عَمَدٍ صلبة، ولا تشتت هؤلاء الأطفال بينهم في يومٍ وليلة، ولو أنهم علموا كيف يتعاملون سوياً، ويتفاهمون في أمور حياتهم بحكمةٍ وأناة، ويتركون مساحاتٍ لبعضهم بعضا كلما حدث بينهم خلاف، أو نبش في صدورهم نزاع، لما كان هناك فراق، ولا سمعنا عن جنون معدلات الطلاق. إنني لا أعذل الزوجين فقط – من اختارا بعضهما عن رضا- في تمزيق حياتهما بأيديهما، وإنما أعتقد أن الأمر تتحمله أطرافٌ كثيرة، بدايةً من تربية الأهل لكلٍ منهما، مروراً ببعض الأفكار الباطلة، وانتهاءً بثقافة كليهما، ولا يُلم مقالٌ واحدٌ بهذا الخطب، ولكنني سأضع بين أيديكم بعض البنود العريضة فيه. فلو علّم الأب ابنه، بقدر ما يدفع له مصروفات المدرسة، وتكاليف الجامعة، دواخل الحياة الزوجية، وكيفية تحمل المسؤولية، ومواجهة عقبات الحياة بحكمة، وكيف يختار الزوجة والرفيقة الصالحة، وكيف يكون لها خير صاحبٍ وصديق، وحبيبٍ وأخٍ ورفيق، فيفهم متطلباتها، ويشعر بأحاسيسها، ويدرس نفس الأنثى بعطفٍ وتؤدَة، ويسرد له الأمثال والقدوات الناجحة، وليس هناك أنجح من بيت الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- وحسن معاملته لزوجاته، ولا يجد في إخباره ذلك حرجاً، فهو بذلك يعلمه أعظم الدروس، ويلقنه أثمن القيم، التي سيقيم على أساسها أعمدة ذاك البيت العظيم. ولو علّمت الأم ابنتها، بقدر اهتمامها بجلب الألبسة الفاخرة، والزينة الباهظة، دواخل الحياة الزوجية، وسر نجاحها، وذريعة وعاقبة فشلها، وكيف تختار الزوج والرفيق الصالح، وتعلمها كيف تتعامل معه بحنانٍ ورأفة، وعقلٍ وحكمة، وكيف تجذبه بقلبها، وحسن قولها، والتجمل والتكمل له، وكيف تبدِّل اللحظة البائسة إلى ضحكاتٍ مبهجة، وأن تحفظ في قلبها نصيحة الأعرابية التي لقنت ابنتها وصيةً بحروفٍ من نور، وتنصحها بأحاديث خير البرية في معاملة المرأة لزوجها، وأنه جنتها ونارها. ولو خلَت بعض العقول من تلك الأفكار السقيمة، بأن الرجل لا يكون رجلاً مع زوجته، إلا بشدة الصُرعة، وحدّة الكلمة، وفرد السيطرة بالغلظة، فيعتقد أنه إن لانَ معها، وأترع حياتها بالحب والحنان، وقدم لها المساعدة ولو بالقول، أو شكرها وقدّرها لقاء ما تجهزه له من طعامٍ وشرابٍ وهندام، واستمع إليها، واهتم بشؤونها، وفهمها وتفاهم معها في أمور حياتهما، فهو بذلك ينتقص من رجولته، أو يحط من كرامته، فيجفو معها كثيراً، وتتوسع الفجوة بينهما رويداً رويداً، حتى يموت الحب، وتخمد المشاعر، ولو علم أن تلك اللمسات ستجعلها تطير فرحاً، وتزداد كرماً، لما تجنبها لحظةً واحدة. وأيضاً تلك المعتقدات الباطلة، أن المرأة إن تناست كبرياءها عند زوجها، فدللته ونعمّته وعطّرته وهندمته، أو صنعت له شيئاً من هذا القبيل يعجبه، فهي بذلك أو غيره تهين نفسها، وتحسب مخطئةً أنه سيقلل من شأنها، أو تعتقد أن تلك الأفعال «رومانسيات» فارغة، أو غير ممكنة، وعلى النقيض، فإن تلك اللمسات وغيرها تلين القلوب، وتقوي أواصر المحبة بينه وبينها. ولو أن المقبلَيْن على الزواج، أعدوا العدّة لهذه المرحلة، فقرآ كثيراً في الكتب والمواضيع التي تخبرهما، كيف يصبّان أعمدة ذاك البيت ويبنيان جسور المحبة بينهما، ويحتملان أمام العقبات التي حتماً ستواجههما، ويتحاوران في شؤونهما، وينصتان إلى نصائح من هم أكثر حكمةً، وأبرُّ نصيحةً، ويحضران الدورات التدريبية، ويضعان الأحاديث النبوية الشريفة عن الزواج نصب أذهانهما، كي يطبقاها، ويقدرا قدسية الميثاق الغليظ بينهما، إن كانا يريدان بيتاً قائماً، وعماداً -بإذن الله- دائماً؛ لخفف ذلك كله نسبة الطلاق المفزعة، التي نقرأ ونسمع عنها في أنحاء عالمنا العربي، ولكي لا تظن أنني أدعو إلى تلاشي الطلاق، فتكن أخطأت فهمي، ولكنني أرشدت إلى سبلٍ قد تخفف من تزايده المؤلم، فهو شرعة من الله تعالى للزوجين، إن كانت الحياة بينهما مستحيلة، وكل الآفاق باتت معتمة.