يندفعُ سمير بقوةٍ ليلقي زجاجةً معبّأةً بالرمل والفلفل الأسود في اتجاه برج المراقبة الإسرائيلي عند معبر بيت حانون في شمال قطاع غزة، مؤكداً أن «انتفاضة الأقصى الثالثة ستتواصل». ويعتقد سمير نصر (20 عاماً)، الذي كاد أن يُصابُ بالإغماء إثر استنشاقه الغاز المسيل للدموع، أن «الانتفاضة انطلقت ولن يوقفها أحد دفاعاً عن المسجد الأقصى». ويرى أن «لا شيء نخسره هنا، فحياتنا كلها حصار وبطالة ودمار، ولا أحد يهتم بنا، لذلك فإما طرد اليهود أو الموت». ومنذ انسحابه من غزة الفقيرة في عام 2005؛ أقام جيش الاحتلال أبراج مراقبة عسكرية مُحصَّنة على طول حدودها الشرقية والشمالية. وشَهِدَ القطاع ثلاث حروب خلال السنوات الماضية، فيما تُقدَّر نسبة البطالة فيه ب 45% كأحد أعلى النسب عالمياً، لذا يسعى عديد من الشبَّان إلى مغادرته بحثاً عن آفاق جديدة، وهو أمر فائق الصعوبة. وقَدِمَ نصر، الذي كان يتوسط عدداً من أقرانه بعضهم ملثم بالكوفية، من بلدة جباليا التي تبعد أقل من خمسة كم عن معبر بيت حانون. وشدَّد قائلاً «جئنا لنصرة شباب الانتفاضة في القدس والضفة الغربية ونريد أن نقاتل حتى بالحجارة والزجاجات». وردَّ جنود الاحتلال بإطلاق النار وقنابل الغاز المسيل للدموع تجاه مئات الشبَّان والفتية، الذين تجمَّعوا قرب برج المراقبة بمحاذاة الجدار الإسمنتي على طول الحدود مع غزة. وظهرت فوهة رشاش آلي في أعلى البرج دون أن يكون في الإمكان رؤية أي جندي. لكن كان في الإمكان رؤية شاب من هنا أو فتى من هناك يقع أرضاً نتيجة الإغماء أو الإصابة. وأفاد المتحدث باسم وزارة الصحة في القطاع، أشرف القدرة، بإصابة 48 متظاهراً أمس الأول، الثلاثاء، بالرصاص الحي أو المطاطي أو الإغماء والاختناق بسبب الغاز المسيل للدموع. وتوزَّع المصابون بين أربعين قرب معبر بيت حانون وثمانية في مواجهات شرق مخيم البريج. وبين المصابين صحفيان هما مصور قناة الجزيرة، محمود عوض، ومصور وكالة بال ميديا، سمير البوجي. وأبلغ مسعف من جمعية الهلال الأحمر وهو ينقل مصابين من منطقة معبر بيت حانون بعدم تمكُّن سيارة الإسعاف من التقدم لنقل مصاب قريب من الجدار «بسبب قنابل الغاز وإطلاق النار من جانب الجيش الإسرائيلي في كل الاتجاهات إضافةً إلى إغلاق المتظاهرين الطريق». ويضطر المسعفون إلى السير على الأقدام للوصول إلى المتظاهرين ونقل الجرحى إلى سيارات الإسعاف. وعلى دراجة نارية؛ تبرَّع عبدالإله وسهيل بنقل جرحى. ويوضِّح سهيل (31 عاماً)، وهو معلِّم في مدرسة ثانوية بدير البلح، أنه شاهد المواجهات على التلفاز و»كان مشهد نقل المصابين محزناً فقررت مع صديقي أن نأتي للمساعدة». ويتابع قائلاً «لا نريد لشبابنا أن يموتوا من دون ثمن، كثيرون منهم يأتون إلى هنا أملاً في حياة أفضل». وفي وسط طريق صلاح الدين الرئيس المحاذي لممر طويل يصل آخر نقطة فلسطينية بالجانب الإسرائيلي من معبر بيت حانون؛ يرشق ثلاثة شبان وضعوا اللثام على وجوههم الحجارة في اتجاه برج المراقبة. ويقر أحدهم بأن «الحجر لا يقتل الجندي الإسرائيلي»، لكنه يستدرك «أقسم أنهم يرتجفون خوفاً من الشباب العُزَّل لأننا طلاب حرية». ويتعهد ماجد (18عاماً) بأن «نأتي إلى هنا كل يوم ونرمي الجيش بالحجارة والزجاجات، الانتفاضة ستتواصل هنا». وتسلك سيارات أو دراجات نارية، تنقل شُبَّاناً وصبية إلى أقرب منطقة من الجدار الإسمنتي، طريقاً فرعياً التفافياً محاذياً لحاجز لشرطة حماس. ولا يتدخل عناصر الأمن والشرطة الموجودون بكثافةٍ في الجانب الفلسطيني من المعبر في الأحداث. ويعتبر المتحدث باسم حركة «حماس»، سامي أبو زهري، أن «كل الرهانات لوقف هذه الانتفاضة خلال أيام رهانات فاشلة»، مؤكداً أن «الجرائم الصهيونية لا تزيدنا إلا إصراراً على التحدي والمواجهة، فلا يمكن أن نقبل المساس بالمسجد الأقصى». وقرب المعبر؛ يتساءل شرطي فلسطيني رفض الكشف عن اسمه «كيف نوقف شباباً منتفضين جاءوا يعبرون عن رفضهم للاحتلال وتضامنهم مع إخوانهم في المسجد الأقصى والضفة؟».