من السهل على الإنسان معرفة الأضداد إذا تبين له الفروقات الجوهرية من كل جزء معرفي، ولكن يصعب عليه الولوج في معمعة المتناقضات الفكرية والاجتماعية، فالكل مختلف عن الآخر، وكينونة الاختلاف ترجع إلى تطور المفهوم العقلاني للإنسان المتقدم في أيدولوجيته المعرفية في سبر أغوار المعلومات. أما الآخر وهو النقيض؛ فدائماً يُركز في عقيدته على تطبيق الأحداث السابقة التي عكف عليها الدهر وانتهت بلا رجعة. فعند دراسة إشكالية الإرهاب أو العقل المتطرف نجده يفتقد مفهوم تغير الطبيعة بشكل عام، والإنسان بشكل خاص، والمجتمع يلعب دوراً مهماً في هذه الكينونة الجدلية، بمعنى أن الكون لا يتغير إلا بحدوث صراع المتناقضات، فكذلك المجتمع يعيش حالة نزاع بين المفهوم القديم، والقديم المستحدث، والجديد الآتي من الخارج، وبين كل هذه التفريعات نجد الاختلافات ولعل القديم المستحدث هو نقطة انتظار مؤقتة بين المفهومين المختلفين التي نعيشها في وقتنا الحاضر، حيث إن جدلية الصراع الحالي مع الإرهاب؛ إننا نعيش في بداياته الأولية، وإن العقود التي مضت ما هي إلا تمهيد أو لنقل صدمة أمام التغير الجديد، فالإرهاب قبل أن يكون إرهاباً بطبيعته يرفض أي طارئ يهدد وجوده ويقاوم بعنف. وفي حقيقة الأمر هو يعيش حالة رهاب سوسيولوجي يرفض التعايش مطلقاً مع المجتمعات المتماثلة في المفهوم والجوهر، التي أدركت جدلية الطبيعة وتغيرها المستمر. ندرك من هذا أن العقل يتوقف بسبب إرهاصات جوفاء حول الماضي التليد وحياة تفاصيله بكل سلبياته وإيجابياته (كوضع مسمى الخلافة الإسلامية) فما هذا إلا اقتباس حرفي محض، وما يحدث سوى تقليد مصطنع وكاذب، بسبب الاختلاف الزمني فالزمن لا يرجع إلى الوراء، وإن قوة التقدم دائماً تنجح في إثبات وجودها. البيئة دائماً لها دور في تنمية الأفكار الإرهابية من قرين وأسرة أو مدرسة وحتى المكوث في الجوامع بغير أوقات العبادة، فهذه كلها تشكل بيئة ونلخص أن هذه الإشكاليات تلوثت بثقافة الاختلاف والهوس بأمجاد الماضي بإفراط شديد خاصة فيما يدور حول الروايات والأساطير الخرافية التي غالباً ما تكون أكذوبة وضعيفة المصدر. وهنا نقف ونسأل ماذا يريد المتشدد قبل أن يتحول إلى مجرم ضد نفسه وضد مجتمعه؟ هل كان يود الحفاظ على التراث الروحي أو التقليدي، إن سلمنا بهذا الأمر؛ فهو مخطئ؛ فكل تلك الأمور ما زالت قيد الحفاظ على مكانتها وما يجري في عقلنته هو صناعة المجتمع الإرهابي وهذا ما تحقق بالفعل في بعض المناطق العربية والإسلامية كالخلافة المزعومة التي أشرنا إليها أعلاه فهي دولة إرهابية بكل المقاييس فهي لم تأت صدفة وإنما استنساخ عن مفهوم قديم وهذا القديم ليس ببعيد فما زالت بعض الصور متجسدة في عقول البعض. وهذه الدولة ستبقى فترة طويلة تمارس إرهابها حتى تفني بعضها لأنها ظهرت نتيجة تناقض ذاتها من ذاتها فهي مختلفة عن بعض الايديولوجيات التي كانت لها رغبة شعبية مُسبقة من أجل التجديد والتغيير وفق النمط الكوني. بما أن هذه الدولة بدأت بعنف فلا بد من زوالها بعنف من داخل تنظيمها. بشرط ألا تتعزز من الخارج وفتح سياسة لها مع الآخر. وهنا نذكر جماعة «الهيبيز» التي ظهرت في الستينيات من القرن الميلادي الفائت، كانت فكرتها إيجاد بيئة تتناسب مع الطبيعة كمظهر بغير قوانين اجتماعية أي حرية مطلقة التصرف وتطبيق ما هو أقدم بمراحل عن فكرة (داعش) ولكن تلك الجماعة انتهت كما بدأت بكل هدوء وبشكلٍ سريع لأن فكرتها ضحلة ومفهومها اندثر تماماً منذ آلاف السنين. إذاً علينا كشعوب أن نطور بيئتنا ونعتني أولاً بأنفسنا ونولي الاهتمام بالفرد بما يشبع حاجاته الأساسية وأن نجعله عنصرا فاعلاً في المجتمع مع إدراكه التام أن أساسيات العمل والإخلاص تصنع شعبا متقدما ومزدهرا بحضارته.