مدينة جميلة تستلهم مستقبلها من لمعان شعاع الشمس على صدر أمواج الخليج العربي، فاتنة كحورية البحر، تغوص في النهار وتسافر عبر محيطات العالم كي تجلب الدُّرر، وحين يحِلّ المساء تستلقي في أحضان الضفاف وتسامر الثُّريا. الحديث عن الخبر يأخذنا إلى الوراء لبضعة عقود مضت عندما كانت تبدو وكأن الشمس تشرق من جيدها فتنشر بساطها الذهبي على أديمها وكثبانها وترسل صغارها إلى البيوت المتناثرة هنا وهناك لتلاعب الأطفال. فعندما كنّا نتوق للغطس في الماء أو اللعب بالرمل أو الركض حفاة كان جدي- رحمه الله- يقودنا سيراً على الأقدام إمّا باتجاه الشرق حيث البحر يستقبلنا بضحكات أمواجه التي نثرت هداياها ليلاً أصدافاً زاهية فنتسابق لجمعها وعدها وأحياناً نطيل النظر إليها في دهشة، أو أنّ نسعى باتجاه الغرب حيث نستمتع بتسلق الكثبان الرملية والتزحلق عليها. لقد كانت ألعابنا تشاركنا الحياة فكنّا نؤوب عند الغروب وجيوبنا ملآنة بأمنياتنا الصغيرة، نخبئها تحت وسائدنا لنبدأ بها يومنا الجديد. كانت الخبر مهوى صنّاع الثروة والحياة المترفة فشاركوا بكلّ حبّ وأمانة في بنائها وتألّقها حتّى بدت كجوهرة في برواز، فتسابقت كبريات الشركات والماركات العالمية في الحصول على موطئ قدم فيها كي يعززوا استثماراتهم، ونجح أغلبهم فاكتسبت من ذلك صيتاً تجارياً، فتقاطر عليها الطامحون والنّاجحون والمتميزون من مختلف الجنسيات والثقافات فغدت أكثر تألقاً. كان كثير من أهل البيوت القريبة من البحر يتمتعون بزرقته وتراقص أمواجه لأنه لم يسمح ببناء الأبراج والبنايات كثيرة الأدوار التي فصلت الرئة عن الجسد كما هو الحال الآن. وأتذكر عندما كنّا نذهب لزيارة الجيران أو الأصحاب، أو للتسوق لم يكن يقلقنا طُرق محَفّرة وأرصفة مُكسّرة، ولا بِركٌ من مياه الأمطار، أو مستنقعات من الصرف الصحي التي تزكم أنوفنا وتنشر أبشع الأوبئة. لو بعث بناة الخبر من قبورهم فماذا ستكون ردود أفعالهم حين يرون فتاتهم الجميلة تقبع ما بين شِباك حمراء، وحواجز إسمنتية وقنوات ترابية وتملأ أحشاءها الحفر؟