أطاعَ غناءَ الحوريّاتِ سعدي يوسف هو لم يخسرْ شيئًا حينَ أطاعَ نداءَ الحوريّاتِ... لقد غامَرَ حقًّا: حطَّمَ مركبَهُ، عَمْدًا، عند صخورِ الشاطِئ، فاضطُرَّ إلى أن يسبحَ كي يمسكَ جِذعًا أنقَذَهُ من غرقٍ حَتْمٍ... -كان غناءُ الحوريّاتِ يهدهدُهُ حتى في الغرقِ الماثلِ- كان سعيدًا؛ أغفى، ملتَفًّا بالرملِ الدافِئ والأصدافِ وهدهدةِ الحوريّاتِ ولم يستيقظ إلاّ بعدَ ثلاثِ ليالٍ من حُلُمٍ... في ليلتهِ الأولى سارَ إلى سفْحٍ وتَمدّدَ في كوخ رُعاةٍ، في ليلته الثانيةِ استَلقى بين زهورِ الخشخاشِ، وفي ليلته الثالثةِ اختارتْه الحوريّاتُ السَّبعُ لِيُمسي الأُضْحِيةَ... .................................... ................................. ................................ البَحّارُ أفاقَ -كما في القَصصِ الأولى- يفرِكُ عينيهِ، ويشعرُ بالجوعِ وبالعطشِ... الوقتُ ضحىً والبحرُ الهاديءُ كان يُوَشوشُ... وِشْوِشُ... وِشْوِشُ... وِشْوِشُ ثمّتَ عينٌ يترقرقُ فيها الماءُ ويكشفُ عن حصباءَ ملوّنةٍ وحصىً أزرقَ واللوتُسُ طافٍ يلمعُ إذْ يتضوّعُ: هل تقطفُني يا بحّارُ؟ اقطفْني يا بَحّارُ اقطفْني أُطعِمْكَ من الجوعِ اقطفْني! ......................... ........................ ........................ لم يعُدِ البَحّارُ يرى غيرَ صخورِ جزيرتِهِ غيرَ السمكِ الميْتِ وغيرَ طيورٍ متوحشةٍ قد تأكلُهُ يومًا... لكنّ البحّارَ يفكرُ ثانيةً: أوَلستُ أرى الآنَ المِرآةَ؟ إذًا وَهْمًا كانت سنواتُ الرِّحلةِ... وهمًا كان نشيدُ البحر!